محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
سياسة تركيا في الشرق الأوسط بين الطموح والفشل
ذكرت العديد من التقارير الإخبارية بأن السياسة الخارجية والمعارك العسكرية التي يقوم بها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" هذه الأيام في سوريا وليبيا زادت من حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، ولفتت تلك التقارير إلى أن الرئيس "أردوغان" قام خلال الفترة القليلة الماضية بإرسال الكثير من القوات التركية إلى الأراضي السورية لا سيما محافظة إدلب التي قامت بدورها بدعم المعارضة المسلحة في تلك المنطقة، كما قام الرئيس "أردوغان" بإرسال قوات تركية إلى الأراضي الليبية لدعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية لمواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال "خليفة حفتر".
وعلى صعيد متصل أكدت العديد من التقارير الميدانية على مقتل الكثير من الجنود الأتراك وإسقاط طائرات بدون طيار وتدمير معدات عسكرية تابعة للقوات التركية التي دخلت في معارك عنيفة في الاراضي السورية والليبية، وانتشرت عدد من الأخبار خلال الأيام القليلة الماضية والتي جذبت أنظار وانتباه العديد من المحللين السياسيين الذين يعتقدون أنها تعتبر أول عمل عربي ضد سياسة "أردوغان" في المنطقة.
وفي هذا السياق ذكرت العديد من المصادر الإخبارية بأن وفد ليبي برئاسة نائب رئيس الوزراء "عبد الرحمن الاحيرش" ووزير الخارجية "عبد الهادي الحويج" الموالين للجنرال "خليفة حفتر" واللذان يتخذان من مدينة "طبرق" الساحلية مقراً لهما زارا العاصمة السورية دمشق قبل عدة أيام، ولفتت تلك المصادر إلى أن الوفد الليبي وقع خلال هذه الزيارة عدداً من مذكرات التفاهم حول فتح مقرات دبلوماسية في كلا البلدين والعمل على تنسيق مواقف دمشق وطبرق في الأوساط الدولية.
حيث يؤكد عدد من المحللين السياسيين بأن الوفد الليبي التقى مع "بشار الأسد" وتم الإتفاق على التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة الأعمال التخريبية، كما تم أيضاً خلال تلك اللقاءات التباحث حول العلاقات الثنائية وسبل تفعيلها في مختلف الصعد والمجالات واهمية التنسيق المستمر بين البلدين للتعامل مع الضغوط والتحديات الماثله وعلى رأسها التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لكلا البلدين.
ويرى العديد من الخبراء السياسيين بأنه ليس أمام الحكومة الليبية الموالية للجنرال "حفتر" التي تبذل الكثير من الجهود لمواجهة التدخلات التركية سوى أن تكون قريبة من سوريا وأن تشكل اتحاداً مع نظام بشار الأسد لمواجهة لما تسميه بالعدوان التركي.
وعلى ذات الصعيد ذكرت بعض التقارير الإخبارية بأن تركيا دخلت في توترات مع حليفتها السابقة موسكو وذلك بسبب قضية مدينة إدلب السورية، ولفتت هذه التقارير إلى أن الرئيس التركي "أردوغان" وجه العديد من الإتهامات لروسيا وقال بأنها لم تمتثل للإتفاقيات السابقة التي تم التوقيع عليها سابقاً بين الجانبان، وجاءت هذه الإتهامات عقب وصول الكثير من الاخبار التي تفيد بمقتل وجرح الكثير من الجنود الأتراك في سوريا، واتهمت تركيا من جانبها القوات التابعة لنظام بشار الأسد بانها قامت خلال الفترة الماضية بإنتهاك للإتفاق الذي تم التوقيع عليه في اجتماع "سوتشي" وأن هذه القوات شنت الكثير من الهجمات على مواقع تواجد القوات التركية المتمركزة في محيط محافظة إدلب السورية، كما اتهمت أنقرة موسكو بانها قدمت الكثير من الدعم العسكري واللوجستي للقوات التابعة لنظام بشار الأسد.
ويشير العديد من الخبراء والمحللين السياسيين الى ان الرئيس التركي "أردوغان" يبذل جهداً كبيراً لإقناع المسؤولين الروس بأن هجمات الجيش التركي على سوريا هي في الواقع معركة ضد الإرهاب، وأن ردود افعال قوات النظام السوري على تلك الهجمات يتسبب في تعطيل عملية السلام في هذا البلد، منوهين الى ان هناك تضارب في المصالح بشأن قضية سوريا وخاصة مدينة إدلب التي تتواجد فيها العديد من الجماعات المسلحة، مؤكدين بان الدعم الروسي لسوريا بشأن قضية إدلب يهدف إلى للسماح لموسكو بممارسة الضغط على تركيا فيما يتعلق بالقضية الليبية.
واشارت الكثير من المصادر الى أن النزاعات بين تركيا وروسيا نشأت بعد توقيع حكومة الوفاق الوطنية الليبية مع الجانب التركي اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في إطار اتفاق أمني وهو ما جعل الجانب الروسي ينتقد هذه الاتفاقية ويصفها بغير القانونية بالإضافة الى قيام تركيا في عدة مناسبات بنقل مجاميع مسلحة كبيرة من سوريا للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق الوطنية الليبية ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال "خليفة حفتر" وهو ما أثار غضب واستياء العديد من البلدان.
وذكرت مصادر إخبارية عديدة بأن الرئيس التركي "أردوغان" يعيش هذه الأيام حالة من التناقضات خاصة بعدما تكبدت قواته العسكرية الكثير من الخسائر في سوريا وليبيا، والغريب في الأمر أن الرئيس التركي تحدث ذات مرة أنه قام بإرسال قوات تركية إلى سوريا وليبيا لدعم تطلعات أبناء الشعبين السوري والليبي وفي مرة أخرى أعلن "أردوغان" أن تركيا تؤكد أنها تسعى لتحقيق مصالحها في سوريا وليبيا، واصبحت "الحرب ضد الإرهاب" ذريعة جيدة لـ"أردوغان" للتدخل عسكريا في سوريا وليبيا وهو ما يظهر جلياً عندما قامت القوات التركية باستهداف مواقع القوات السورية الكردية حيث اعلن "أردوغان" في ذلك الوقت أن القوات التركية تقوم بمحاربة الجماعات الإرهابية المنتشرة في شمال سوريا وها هو اليوم يعيد الكرة مرة أخرى ويقول أنه قام بإرسال قوات تركية إلى مدينة "إدلب" السورية لمحاربة الإرهابيين والمتطرفين.
وترى بعض المصادر بانه لا ينبغي إغفال قضية النفط وجهود "أردوغان" لإقامة شراكة مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" للسيطرة على الموارد النفطية السورية التي يستأثر بها حالياً نظام بشار والدول الحليفة له وهنا تشير بعض المعلومات إلى أن تركيا تحاول أن تصل إلى مقدمة الصفوف وذلك بإعلانها الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية واعلان اهتمامها بالقضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي ولهذا فإنها قامت خلال الفترة الماضية باستخدام قوتها العسكرية للمضي قدماً في تنفيذ أعمالها تلك وتحقيق مصالحها، والشيء الذي لا يمكن تجاهله هو التدخل التركي العسكري في الدول العربية والذي جاء عقب الخلافات والفجوات بين تلك الدول ويبدو أن أحلام "أردوغان" في سوريا وليبيا تتضاءل مع توقيع العديد من الإتفاقيات بين دمشق وطبرق لمواجهة تدخلاتها في البلدين.