أزراج عمر يكتب:
هل يعالج فايروس كورونا أزمة الجزائر
وفَرت صدمة فايروس كورونا فرصة ثمينة لبعض الانتهازيين السياسيين في المشهد السياسي الجزائري للمزايدة على وطنية الملايين من نشطاء الحراك الشعبي، ويتلخص هدفهم في الظهور من جديد في الساحة السياسية الوطنية بواسطة استغلال منابر إعلام النظام الحاكم ووسائل التواصل الاجتماعي لتقديم أنفسهم كمرشدين للمواطنين ولنشطاء الحراك. علما أن هؤلاء يتحملون جزئيا مسؤولية فشل الجزائر في بناء منظمة صحية وطنية متطورة قادرة على التعامل السريع والفعال مع الكوارث الكبرى التي تهدد الأمن الصحي الوطني، ومن هؤلاء الوزير الأول الجزائري السابق عبدالعزيز رحابي الذي لمّح هذا الأسبوع إلى أن تظاهرات الحراك الشعبي تهدد الأمن الصحي الوطني ودعا إلى توقيف تظاهر الحراكيين معتبرا ذلك “واجبا وطنيا من أجل حفظ سلامة الجزائريين من فايروس كورونا”.
ويستنتج من قراءة تصريح رحابي، وكذلك تصريحات أخرى مطابقة لمسؤولين آخرين كبار سابقين وحاليين داخل النظام الحاكم، أنَ أصحابها قفزوا كعادتهم على الحقائق حيث لم تتضمن تصريحاتهم أي انتقاد ذاتي صريح وشجاع لأنفسهم، ولمساهمة أجهزة السلطة الجزائرية الراهنة في وصول وباء كورونا إلى الفضاء الجزائري جراء عدم اتخاذ إجراءات الوقاية مسبقا بأساليب متنوعة منها الإسراع فور إعلان منظمة الصحة العالمية عن الطبيعة الدولية لوباء كورونا.
إلى جانب هذا فإن تصريحات هؤلاء المسؤولين لم تشر من قريب أو من بعيد إلى عدم تشكيل السلطات الحاكمة لخلايا أزمة على مستوى هرم الدولة، بالتزامن مع تشكيل فرق وطنية متخصصة وشعبية تتكفل بالتنسيق الجدي في ما بينها قصد التعاون في دراسة ومتابعة تطورات ظاهرة كورونا، والتوصل جماعيا إلى اتخاذ القرارات المستعجلة وفي صدارتها إيجاد حلول جادة لمنع وصول المصابين بهذا الفايروس إلى الجزائر في الوقت المناسب بواسطة آليات تفتيش الأوضاع الصحية لمسافرين في مطارات الانطلاق، وغلق الحدود الوطنية في الأيام الأولى من ظهور الوباء في الصين وفي فرنسا وإيطاليا. على هذا الأساس فإن الوقائع تدحض توريط الحراك الشعبي في مسؤولية تغلغل فايروس كرونا في عدد من المناطق الجزائرية.
وفي الواقع فإن نشطاء الحراك الشعبي بمختلف أعمارهم وانتماءاتهم قد أظهروا منذ بروز خطر هذا الوباء تفهما صادقا لخطورة الفايروس، وأكدوا وقوفهم إلى جانب المصلحة الوطنية حيث ساندوا الموقف الشعبي الداعي إلى تعليق التظاهرات إلى حين التخلص من شبح هذا الفايروس القاتل.
ويُبرزُ تطبيق الحراك الشعبي لقرار تعليق التظاهرات تشبع عناصره بأخلاقيات المعارضة الملتزمة بالموقف الوطني الذي يميز بين معارضة ورفض سياسات النظام الحاكم، وبين الالتزام بحفظ الأمن الصحي لخمسة وأربعين مليونا من المواطنين. وعلى هذا الأساس فمن الواضح أنَ الإجراء الذي أعلنه الرئيس عبدالمجيد تبون، وهو “منع التجمعات والمسيرات كيفما كان شكلها وتحت أي عنوان كانت، وغلق أي مكان يشتبه فيه بأنه بؤرة للوباء”، موجه أساسا إلى الحراك الشعبي.
ويرى المراقبون أنه لا لزوم لمثل هذا لأن الحراك بادر ونفذ تجميد التجمعات والمسيرات حتى إشعار آخر، ومن جهة أخرى فإن إجراء الرئيس تبون غير منسجم مع الدستور الذي يكفل حق التظاهر للحراك الشعبي الذي يمكن أن يواصل حضوره في الساحات إذا شاء ذلك.
وفي هذا الخصوص فإن نشطاء الحراك الشعبي قد أعلنوا مرارا أن التظاهرات ليست إلا شكلا من الأشكال الأخرى للنضال من أجل تحقيق مطالبه الوطنية المعلنة، وفي هذا الشأن فإنه من المنتظر أن يواصل معارضة النظام الحاكم بواسطة استخدام آليات بديلة، منها وسائل التواصل الاجتماعي، وتعميق التفاعل مع المواطنين للتصدي لمشاكلهم المختلفة بما في ذلك تهديد فايروس كورونا، وهو الأمر الذي عبَر عنه أحد نشطاء الحراك الشعبي بقوله “حان الوقت لدخول التاريخ والخروج من الجغرافيا مؤقتا”، ثم أضاف مبرزا أنَ “الحراك الذي خرج لإنقاذ الوطن لن يكون سببا في هلاك شعبه”.
لا شك أن هدنة تعليق التظاهرات التي دخلت حيز التطبيق هذا الأسبوع ستكون امتحانا حقيقيا للنظام الحاكم، أما إذا ماطل وضيع فرصة استغلال هذا التعليق للتظاهرات للدخول في حوار جدي مع مختلف مكونات المعارضة، بما في ذلك الحراك الشعبي، لصنع حل وطني توافقي فإن الأزمة ستشهد تفاقما بعد رحيل شبح فايروس كرونا عن الأراضي الجزائرية.