مروان كنفاني يكتب:

حماس بين رفاهية التنظير ومتطلبات الواقع

تمر حركة حماس في الفترة الحالية بعملية انتخابات داخلية تركت آثارها على نشاطها السياسي والمقاوم أيضا، ما يحتم الاعتراف بالتزامها بشروط وأعراف الانتخابات الداخلية منذ إنشائها، الأمر الذي لا يتلاءم مع موقفها وموقف نظيرتها حركة فتح من الانتخابات الفلسطينية العامة.

تختلف الانتخابات الجاري تنفيذها في هياكل حركة حماس عن كافة الانتخابات الداخلية السابقة لها بشكل أساسي، في ما يتعلق بالمرشحين ومركز القيادة، والبرنامج السياسي والحركي والمجتمعي والنضالي.

تجابه حماس ما جابهته معظم الأحزاب والفصائل السياسية في مختلف بلاد العالم، من حيث مسيرة رحلتها الشاقة من كونها حاضنة وداعية لأفكار متمازجة بالعقائد والأحلام والتجارب التاريخ، في وجه مشاكل وصعوبات الفقر واختلاف الدخول وتمايز الطبقات وأحلام العيش في أحضان العدل والحرية.

كان سعي حركة حماس يهدف إلى رسم مستقبل أفضل وأعدل من ذلك الذي تعيشه الجماهير الفلسطينية، ليس فقط بسبب نير الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل وأخطاء وخطايا السلطة الوطنية الفلسطينية الواردة من الغيب، والمتعاملة والمتعاونة والمتفقة مع قوات الاحتلال ضد المناضلين الحقيقيين الذين سيحررون فلسطين ويعيدون اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم وقراهم.

تحتاج الوعود التي آمن العديد من الشعب الفلسطيني بصدقيتها وإمكان تحقيقها إلى جهود وممارسة وتنفيذ لم تتوقعها أو تستعد لها وربما لم ترغب باحتضانها حركة حماس الشابة. حيث كانت تختار قياداتها باتفاق أخوي، وخلال أيام يتم فيها التفاهم على أشخاص القيادة العليا والقيادات الفرعية والجهوية.

ولم يكن هناك تدخل من قوى وطنية وإقليمية تدعم أو تمنع، ولم تكن حماس في ذلك الوقت ضحية الاتهام بالإرهاب، أو ممنوعة من التواجد في الضفة الغربية، ولم تكن مسيطرة بعد على قطاع غزة أو مسؤولة عن مدارسه ومستشفياته، ولا حارسة على بواباته وسجونه، أو صارفة مرتبات موظفيه، أو مستوردة لأكله وشربه، أو منظّفة لشوارعه أو مصدّرة لبرتقاله.

كانت حماس معفيّة من كل تلك الالتزامات التي تحدد قدرة ومعرفة وعدالة احتياجات حكم مليوني فلسطيني، وأكثر بروزا وتقبّلا كحركة مقاومة جامحة لتحقيق أهداف سياسية مما هي اليوم كحركة حاكمة بالحديد والنار لجزء من الفلسطينيين ومساحة متواضعة من أرضهم.

يدور الحوار الحمساوي – الحمساوي حول رئيس لحركة حماس، والاختيارات تتراوح بين انتخاب رئيس جديد، أو تجديد رئاسة الرئيس الحالي، أو إعادة انتخاب الرئيس السابق، أو العودة لرئاسة الرئيس الأسبق الأسبق.

إن لأهمية انتخاب رئيس جديد أبعادا مهمة وحيوية تتعلق بمركز القيادة، هل سينجح رئيس غير “غزاوي” في قيادة الحركة من مدينة غزة؟ وهل ينجح ذلك “الغزاوي” في قيادة حماس من خارج غزة؟ وهل سيتم توزيع المراكز القيادية وألقاب الرئاسة على أكثر من رئيس واحد، على غرار رئيس الداخل ورئيس الخارج، أو اختيار رئيس للحركة، ورئيس آخر لـ”الإمارة”؟

يدرك الجميع من قيادات حماس أن “بيضة القبّان” والآمر الناهي في الحركة وقراراتها هو صاحب القوة الحاكمة داخل الحركة تنظيم عزالدين القسّام، الجناح العسكري لحماس. كما هو تنظيم الحرس الثوري في إيران، وأن قيادة “القسّامين” ليست بيد رئيس الحركة الفعلي، ولن تكون في يد الرئيس القادم، لكن اختيار رئيس جديد، أو التجديد للرئيس الحالي ستكون من سلطة قيادة “القسّامين” على وجه التحديد، كما يعرف الجميع.

من هو الذي يمثّل “القسّامين” من المجتمعين لانتخاب الرئاسة الحمساوية، أو الأقرب منهم؟ البعض يشير إلى التجديد للرئيس الحالي للمكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية لوقت زمني قصير قادم غير معلن.

تتطاير الإشاعات في ما يتعلق بالمداولات الدائرة في اجتماعات حماس لاختيار الرئيس الجديد والمنهج السياسي المعدّل، وتعبر عن انقسامات في الآراء ورغبة البعض في التغيير والتمسّك بضرورة اختيار قيادة تتواجد في مدينة غزة، وربما مستقبلا مدينة رام الله، وليس في عواصم دول أخرى.

يختلف المجتمعون حول البرنامج السياسي الجديد الذي يجب أن يتلاءم مع التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة، حيث إن الشعارات والأهداف المتضاربة والمختلفة المتداولة في التصريحات والأداء السياسي الحمساوي تختلف عن  شعارات التحرير والعودة والانحياز للتحالفات العربية والإسلامية والدولية المتناقضة التي لم تعد عمليّة في سياق التطورات المتسارعة للقوى العالمية.

تعرف حركة حماس أن معظم الدول المؤيدة لها والمتحالفة معها، ما عدا إيران، تعترف بإسرائيل وتتعامل معها وتدافع عن وجودها، وهو ما يجعلها أمام خيارات صعبة عليها التوفيق بينها.

ولا يعكس سعي حركة حماس الواضح في الاستقلال والاحتفاظ بمسافة بعيدة عن السلطة الوطنية، شعارات التحرير وحق العودة وما إلى ذلك من معان تمس جوهر الثوابت الفلسطينية.

لقد استغرقت حركة فتح نحو ثلاثين عاما للاقتناع بحقائق الواقع على الأرض، ولا يجب أن تنتظر حماس تلك السنوات للاقتناع بذلك.

حان الوقت كي تدرك فتح وحماس، وجميع الفصائل الفلسطينية، أن البقاء والنجاح يعتمدان على التحالف مع القرينات الفلسطينيات من الحركات الأخرى، وتحقيق الوحدة والعمل المشترك وليس البحث عن حلفاء وهميين بين عرب وعجم.

أعطى الشعب الفلسطيني كل الدعم والالتزام لحركة فتح قبل أن تغرق في تجربة الحكم، ولا يشعر الفلسطينيون “الغزازوة” اليوم، أي الذين يعيشون في قطاع غزة، أنهم في حال أفضل من سنوات حكم السلطة الوطنية بكل ما حملته من أخطاء وسلبيات.

ويشيدون بالإدارة المصرية التي استمرت تسعة عشر عاما للقطاع، ويتطرف بعضهم بالقياس مع حكم الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر سبعة عشر عاما.

يتمنّى العديد من العمال الفلسطينيين الحصول على إذن العمل في إسرائيل، في وقت انكمش فيه وعد حماس بتحرير فلسطين وإعادة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ووطنهم إلى محاولات جادة مع الإسرائيليين، ليس مباشرة بعد، للموافقة على إقامة إمارة حمساوية صغيرة تحفّها الصحراء والبحر.

حركة حماس التي اختارها الشعب الفلسطيني في انتخابات نزيهة رئاسية وتشريعية سابقة في غزة والضفة الغربية من أجل تحمّل كامل المسؤوليات الفلسطينية الوطنية والمجتمعية، ابتعدت عن هذه المسؤوليات حاليا. وكان الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه هو قناعتها، وربما غرورها، كما سبقتها حركة فتح، باستطاعتها تحمّل وتنفيذ كل تلك المسؤوليات بمفردها. من هنا تبدو الرحلة شاقة بين رفاهية التنظير ومتطلبات الواقع.