مروان كنفاني يكتب:

نحو حل الدويلتين.. دويلة رام اللـه ودويلة غزة

فاجأ الشعب الفلسطيني العالم بأسره. وبالذات في ما يبدو السلطة الوطنية الحاكمة في الضفة الغربية، وحركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، وما يدور حولهما من فصائل وتنظيمات داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها. كان الرد الشعبي العارم يمثل مدى الحسرة والغضب من السنوات الطوال التي لم يكن له الرأي أو الحق لممارسة الانتخاب في من يحكمه.

انطلق الحراك الفلسطيني الشعبي المستقل والحر لترشيح أو دعم ترشيح من يرون أنفسهم جديرين بالمشاركة في العمل التشريعي والسياسي والحكومي. الحماس الذي أبداه الشعب الفلسطيني تجاه إجراء الانتخابات العامة أثبت أنه يرفض الانصياع لحكم يفرضه قرار من لجان تنفيذية أو مركزية أو توصية من رئيس أو وزير أو نصيحة من مستشارين يهيمون في زوايا وممرات مكاتب الرئاسة أو غرف مسؤول أمني.

حين تم فرض قوانين الانتخابات وفق ما يريد قادة السلطة والفصائل، المتخالفة والمتفقة، تم حرمان الفرد الفلسطيني من حق الترشح، ولم يعد من حق المواطن الفرد الترشح لعضوية المجلس التشريعي، ولم يبق له سوى الانضمام، لو يملك الإمكانيات والعلاقات، لإحدى القوائم الانتخابية التي يتم موافقة لجنة الانتخابات العليا أو جهات أخرى على شرعيتها لخوض الانتخابات. لم تثن تلك التعليمات عزم المواطن الفلسطيني على خوض الانتخابات بقوائم لا تتبع الفصائل أو الأحزاب وتم ترتيب عدد من قوائم تتضمن أفرادا لا حزبيين لكنهم قادرون وراغبون ومؤهلون لتسلم مراكز ومناصب ومسؤوليات تخدم الشعب الفلسطيني واحتياجاته، وأيضا أهدافه الوطنية المشروعة.

اختيار القوى المتقاسمة والحاكمة لما تبقى من الأرض والشعب الفلسطيني لهذا النظام الانتخابي القائم على رفض الانتخاب الفردي والاعتماد على الانتخابات الجماعية لم يوافق عليه الشعب الفلسطيني، ولم يجر استفتاء حوله، رغم أن الانتخاب الفردي كان الأساس في أول انتخابات في تاريخ الشعب الفلسطيني عام 1996 وانتخابات عام 2005 الرئاسية والتشريعية.

من الواضح أن الهدف من منع المرشحين الفرديين هو تكتل الأصوات للقوائم التي سيكون عمادها، كل من قائمتي فتح وحماس. في المقابل سوف يظهر قريبا رفض دائرة المفاوضات للعديد من القوائم المجتمعية بحجة عدم التزامها بالقوانين ذات الصلة.

إن استمرار لجنة الانتخابات العليا في رفض القوائم المقدمة لها من قبل أصحاب القوائم الشعبية وليس الحزبية قد يتسبب في رد فعل غاضب من الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتمثل في مقاطعة شعبية للمشاركة في الانتخابات القادمة.

قد يثبت تطور الأحداث قبل وأثناء وربما بعد انتهاء الانتخابات، وفق تفسير يتردد في بعض الصحف الغربية أن ضغوط الدول الأوروبية نحو إجراء الانتخابات الفلسطينية هو الذي أرغم الفصائل، بعد حوالي خمسة عشر عاما من الفشل، منذ الانتخابات الأخيرة، على القبول بإجرائها الآن.

الأمر الذي يتبلّور يوما بعد يوم يتباعد عن مجرد دعم دولي لإجراء انتخابات نزيهة لتحقيق الوجود السياسي للدولة الفلسطينية الموحّدة التي تعارضها إسرائيل، وتعارضها أيضا الفصائل الفلسطينية الأقوى فتح وحماس.

ما يراه العالم اليوم هو مبادرة دولية، لا تتصدر بها الولايات المتحدة وغيرها لأسباب لا تحتاج للشرح، بل تقودها بعض دول الاتحاد الأوروبي وأهمها فرنسا وألمانيا. والهدف الأوروبي من إجراء الانتخابات، كما ذكرت ألمانيا علنا منذ أشهر مضت هو “تجديد الشرعية” للقيادات الفلسطينية، والمقصود السلطة الوطنية وحكومة حماس. وليس هناك أفضل لتجديد الشرعية من الفوز في الانتخابات.

سوف تعيد الانتخابات القادمة، إذا تمت، الوضع الفلسطيني إلى وضعه الحاضر، حيث تستمر حركة فتح في حكم الضفة الغربية بفوز أو دون فوز. كذلك ستفعل حركة حماس في حكم قطاع غزة، وكلاهما سيكون مؤهلا بـ”الشرعية” وجاهزا للانفصال النهائي وتكريس دويلتين فلسطينيتين، دويلة رام الله ودويلة غزة، وبموافقة دول المنطقة وكل دول العالم على ذلك. بدلا من العمل على إنشاء دولة فلسطينية واحدة قابلة للحياة.