محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
فرنسا والعلوق في مستنقع الساحل الأفريقي
ماتزال عشرات المركبات المدرعة التي تقل ما يقارب 180 جندياً من النخبة برفقة الفيلق الأجنبي الفرنسي متناثرة غرب أفريقيا في اطار مهمتها الهادفة للقضاء على العناصر المتشددة، يقول العقيد نيكولاس ميونييه قائد مجموعة المعارك الصحراوية الفرنسية إن النتيجة جاءت متواضعة بعض الشيء فعندما أرسلت فرنسا قواتها إلى مالي المستعمرة الفرنسية السابقة بعد أن سيطر مسلحون متطرفون على مدن شمال غربي أفريقيا كان من المفترض أن تستمر مهمتهم لبضعة أسابيع فقط كان ذلك قبل 7 سنوات ومنذ ذلك الحين انتشر التهديد الإرهابي عبر مساحات شاسعة من الأراضي جنوب الصحراء المعروفة باسم الساحل ومعها انتشرت معارك فرنسا لمكافحة الإرهاب ونتيجة لذلك قتل أكثر من 10 آلاف شخص من غرب أفريقيا وهجر أكثر من مليون من منازلهم وتعرضت القوات العسكرية في غرب أفريقيا وفرنسا لخسائر كثيرة ومع ذلك انتهت المعركة بالكاد حيث يشن تنظيم داعش في الصحراء الكبرى وهي جماعة مسلحة قوية لها روابط وثيقة بالتنظيم الإرهابي العالمي هجمات قوية في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو وفي الأشهر الأربعة الماضية داهم مسلحون أربعة مواقع عسكرية رئيسية في مالي والنيجر ما أسفر عن مقتل 300 جندي.
وتجد فرنسا نفسها عالقة الآن في منطقة الساحل مثلما وجدت الولايات المتحدة نفسها في أفغانستان والعراق حيث قضت سنوات وأنفقت مليارات الدولارات على محاربة الجماعات المتطرفة شديدة التنقل في تضاريس صعبة وغير مألوفة ولا نهاية لها في الأفق، ويؤكد الكثير من المراقبين بان جنود الفيلق الفرنسي الذين قاموا بعملية مكافحة الإرهاب المعروفة باسم عملية "برخان" يتجولون في منطقة الساحل بقوافل يمكن للمتشددين سماعها على بعد أميال مما يعني سهولة استهدافهم، وقد هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل اجتماع قمة طارئة عقدها مع رؤساء دول غرب أفريقيا في يناير هذا العام بسحب قواته، وضاعف ماكرون من مهمته ووعد بنشر 600 جندي إضافي للانضمام إلى 4500 منتشرين هناك بالفعل كما تعهد بالعمل عن كثب مع جيوش الدول الأفريقية لإعدادهم بشكل أفضل لدرء الهجمات وإزالة بعض العبء عن أكتاف فرنسا وهو ما يراه البعض بانه مهمة هائلة قد تكون تكاليفها باهضة حيث تقسم اللغة والثقافة والخبرة الحلفاء، وفي معسكر للجيش الفرنسي خارج مدينة جاو المالية القديمة تلقى 15 جندياً مالياً تعليمات من الطيارين الفرنسين بشأن كيفية إعطاء توجيهات دقيقة للطائرات عبر الراديو وكانت مهمة الماليين هي توجيه طيار مقاتل إلى وكر إرهابي عبارة عن منزل بني اللون يشبه جميع المنازل الأخرى في المدينة، وتمتلك قوات الأمن في غرب أفريقيا القليل من المعدات والتدريب لا يضاهي التعليم الأساسي في فرنسا، وأفاد غالبية الجنود الماليين أنهم لم يروا البوصلة من قبل وظلوا يخطئون في توجيهاتهم وكانوا يتدربون ويختبرون بعضهم البعض على الرمال الناعمة بوضع علبة سجائر فارغة تشير الى الشمال وكوب بلاستيكي للجنوب، ولايزال المتشددون بعيدين عن الهزيمة بحسب تحليلات مراقبون لشؤون الساحل الأفريقي حتى إن إحدى المجموعات تمكنت من خطف السياسي الذي يقود حزب المعارضة الرئيسي في مالي الأسبوع الماضي بالقرب من تمبكتو، وذكر الإتحاد الأفريقي مؤخراً أنه سيرسل 3000 جندي إلى الساحل وتحاول فرنسا تجنيد حلفاء جدد حيث وقعت إستونيا وجمهورية التشيك بالفعل على إرسال قوات بينما تستمر المحادثات مع السويد وفنلندا والنرويج، وفي الوقت الذي يكثف فيه الفرنسيون والأوروبيون ودول غرب أفريقيا القتال تفكر إدارة ترامب في سحب القوات الأميركية وإغلاق قاعدة جوية جديدة في النيجر بناها الأميركيون بتكلفة 110 ملايين دولار، وقال بعض المسؤولين الأميركيين إنهم يريدون التركيز بدلاً من ذلك على مواجهة الحرب الناعمة التي تتعرض لها البلاد حالياً، وسافرت وزيرة الدفاع الفرنسية "فلورنسا بارلي" إلى واشنطن في أواخر الشهر الماضي للدعوة إلى استمرار دعم الأميركيين وفي مقابلات صحافية جرت مؤخراً في النيجر ومالي على مدرج قاعدة جوية وفي قمرة قيادة طائرة نقل وفي غرفة تحكم بطائرة من دون طيار أفاد عدد من الضباط الفرنسيون بأنهم قلقون بشأن الخسارة السنوية التي تقدر بنحو 45 مليون دولار تنفق على النقل والتزود بالوقود الجوي والطائرات من دون طيار والتي تشارك فيها الولايات المتحدة مع فرنسا بإجمالي كلفة تبلغ مليار دولار سنوياً،
لكن الجنرال "باسكال فايسون" قائد البعثة الفرنسية في سواحل افريقيا قال في مقابلة صحافية إن الجيوش الأوروبية والأفريقية يمكنها بسهولة غزو تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، وبحسب فايسون على عكس تنظيم داعش في ذروته في سوريا والعراق لا يحتفظ تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى بأي أرض وليست له جذور عميقة في المجتمعات المحلية.
وأضاف الجنرال فايسون : لا يجب أن نقلل من شأنهم ولا يجب أن نعطيهم أهمية كبيرة أيضاً، جاءت القوات الفرنسية أولاً إلى مالي بناءً على طلب من حكومة هذا البلد وعلى الرغم من وجودها للدفاع عن المدنيين الماليين فإن التفاعل بين المجموعتين ضئيل جداً ولم يرقى الى المستوى المأمول.