محمد خلفان يكتب:

الإمارات.. والتجربة التونسية

التفكير في الاتصال الذي تم الأسبوع الماضي، بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس التونسي قيس سعيّد، والذي يأتي بعد زيارة كان قد قام بها الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات لتونس في بداية العام الحالي ومقابلته للرئيس سعيّد، ينبغي أن يتعدى مسألة استعداد الإمارات لتقديم الدعم في مواجهة تونس لفايروس كورونا، رغم أهمية ذلك، إلى محاولة فهم توجهات الرئيس التونسي نحو صياغة سياسة بلاده الخارجية التي يحاول أن يزج بها زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، في لعبة التحالفات السياسية ذات الأبعاد الأيديولوجية، وهو ما لم تفعله تونس منذ استقلالها في عام 1956.

الاتصالات المتبادلة بين الشيخ محمد بن زايد وقادة دول العالم خلال هذه الأزمة كثيرة، خاصة بعدما أصبحت الإمارات محور إدارة هذه الأزمة عالميا بفعل الدور “الثنائي” الذي تلعبه مع منظمة الصحة العالمية في مساعدة مختلف دول العالم لمواجهة الأزمة، وبالتالي يكون من الطبيعي أن تكون دولة شقيقة مثل تونس ضمن ذلك الاهتمام والأولوية.

مشكلة الغنوشي وحزب النهضة أنه متأثر بتراث الإخوان المسلمين المخاصم للدولة الوطنية وهو ما يرفضه المجتمع التونسي

لكن في ظل التحولات الإستراتيجية المهمة في الجوار الجغرافي لتونس، وفي ظل المكانة التي تحتلها الإمارات في صناعة القرار السياسي والتأثير فيه، فإنه يسمح لأي مراقب أن ينظر إلى هذا الاتصال بطريقة أكثر عمقاً، خاصة وأن من يرصد التحركات التركية والقطرية هناك، بإيعاز من زعيم حركة النهضة الغنوشي، يجد أنها تفتقد إلى فهم لطبيعة تعلق الإنسان التونسي بالتجربة السياسية لبلاده التي يفتخر بها منذ استقلالها، والتي جعلتها تحافظ على مسافات متوازنة مع كل الدول العربية، إلى أن جاءت حركة النهضة في فترة ما بعد “الربيع العربي” لتحاول أن تدفعها نحو أجندتها السياسية لخدمة التمدد “الإخواني” بقيادة تركيا.

الخليجيون يعرفون عن تونس أنها واحدة من الدول العربية التي لها تجربتها التنموية أو الإصلاحية الخاصة -كما يحبون أن يسموها- منذ الخمسينات من القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وتبعه بعد ذلك زين العابدين بن علي، وتشكلت الصورة النمطية الخليجية عن هذا البلد الذي يعتبر حتى الآن استثناء من الفوضى الإخوانية رغم أنه كان أول من بدأت فيه:

أولا أنها دولة كرست التنمية الشاملة بواقعية حقيقية وليس بالشعارات التي كانت إحدى أبرز سمات مرحلة الخمسينات، وقد نتج عن تلك التجربة جيل من الشباب التونسي على قدر كبير من الثقافة فاجأ العالم العربي عندما هاجر للعمل في دول الخليج في مجال التعليم أو غيره من القطاعات، ولذلك كانت تونس تُعتبر من التجارب العربية الناجحة في توظيف مواردها الطبيعية الفقيرة واستغلالها بالشكل الصحيح مقارنة ببعض جوارها العربي الغني بالنفط والمعادن الطبيعية.

ثانيا أن تونس دولة لا تحبذ دخول التحالفات الموجهة ضد شقيقاتها العربية لما لها من تبعات تعيق حركتها الخارجية، فمرونة أي دولة تتحقق بالاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع الجميع وربما هذا دفع بالرئيس سعيّد إلى طرح مبادرته للصلح في ليبيا. فتونس لم يكن لديها خصوم سياسيون إلى أن جاءت حركة النهضة، التي تسعى طوال كل تلك الفترة إلى استمالة من يحكم تونس من أجل التقرب لدعم التنظيمات الإخوانية والدخول في تحالفات مع تركيا وقطر.

وحسب معرفتنا بالشعب التونسي من واقع اعتداده بتجربته “الإصلاحية” أنه يدرك أن نموذج التحالفات مع تركيا وقطر لن يخرج عن نموذج سوريا أو ليبيا، حيث لا يدعم الدولة الوطنية بقدر ما يعمل على توظيف تنظيمات تابعة للإخوان المسلمين لتخريب الاستقرار الداخلي.

الخليجيون يعرفون عن تونس أنها واحدة من الدول العربية التي لها تجربتها التنموية أو الإصلاحية الخاصة -كما يحبون أن يسموها- منذ الخمسينات من القرن الماضي

مشكلة الغنوشي وحزب النهضة أنه متأثر بتراث الإخوان المسلمين المخاصم للدولة الوطنية وهو ما يرفضه المجتمع التونسي ويبدو أنه غاب عنه أن سياسات كل من تركيا وقطر دفعت بهما لأن يكونا خصمين لكل الشعوب العربية بما فيها الشعب التونسي الذي لا يريد أن يفرط في أمرين يعتبرهما سر نجاحه؛ وهما الابتعاد عن نظام الأحلاف السياسية التي تتبعها قطر وتركيا في إدارة علاقاتها الدولية، والثاني الاحتفاظ بتركيبة النظام السياسي القائم على وجود كل الأفكار السياسية ولكن دون “الشطح” والتطرف تجاه مصالح شخصية على حساب الوطن.

لذلك يمكن أن نفهم اليوم تلك المساعي التي يبذلها الرئيس قيس سعيّد مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة دولة الإمارات والسعودية، التي تعتبر اليوم عاصمة القرار السياسي العربي، من أجل أن يحافظ على ذلك النهج الذي حافظ على تونس والتونسيين من فوضى الإخوان المسلمين وهو أمر لا يريح الغنوشي على ما يبدو. فالأيديولوجيا طاغية على وطنيته.