محمد خلفان يكتب:
رأي إماراتي في الأزمة الليبية
تحرص دولة الإمارات على تبني الحلول السياسية في كل الأزمات الدولية، لأنها تؤمن أن الاستقرار عامل أساسي لإنجاح كل المحاولات والجهود التي تؤدي إلى تفاهم وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، في المقابل لا تتوانى في استخدام القوة إذا رأت أن الوضع سيؤدي إلى الإضرار بأمنها.
ويتضاعف حرصها على دعم تلك الحلول السلمية وتعطيها أهمية كبرى عندما يمس الأمر الأمن القومي العربي، المستهدف أصلاً من الجوار الجغرافي على مدى التاريخ، خاصة من تركيا وإيران. ولعل هذا ما يفسر لنا سرعة تأييدها لمبادرة السلام المصرية بشأن ليبيا والداعية إلى وقف إطلاق النار والابتعاد عن تصعيد العمل العسكري، والمطالبة بانسحاب القوات الأجنبية والتدخلات الخارجية، التي ساهمت في تعقيد الأزمة الداخلية للبلد، وبالتالي عودة المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة.
من أهم سمات الدبلوماسية الإماراتية أنها تعتبر أي قلق أو أزمة تمس استقرار أي دولة عربية أمرا يعنيها، وتعمل على التحرك من أجل المساعدة في إيجاد مخرج، بل وتقدم النصيحة لأطراف الأزمة من واقع أن التداعيات ستكون عواقبها وخيمة على الدولة وعلى الإقليم، وما زالت مبادرتها لإقناع رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين حية في أذهان العرب، وكانت نتيجة رفض تلك المبادرة والسماح بالتدخل الإقليمي (إيران) درسا نتمناه أن يكون حاضراً عند الليبيين اليوم، كي لا يتكرر الخطأ مع التدخل التركي في ليبيا، لأنه في السياسة لا توجد تضحيات بدون مقابل سياسي.
وإذا كانت دولة الإمارات قد درجت على العمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين في مختلف مناطق الأزمات، لأن مبادئ سياستها الخارجية قائمة على ذلك، وهي تطبقها على أرض الواقع، ونجحت في الكثير منها بدءاً من الصومال ومروراً بالبوسنة والهرسك وصولاً إلى أفغانستان وغيرها من الأزمات الدولية، فإن دعم أي مبادرة لاستقرار إحدى الدول العربية أمر مفروغ منه. وهو ما يحدث في ليبيا التي توحي أزمتها أن أبعادها “متشابكة” ولن تنحصر على النطاق الداخلي والإقليمي فقط، بقدر ما سوف تؤثر على الاستقرار العالمي، من منطلقين اثنين تدركهما كافة دول العالم، وهذا ما يفسر تأييد تلك الدول لموقف الإمارات من الأزمة.
ويكمن المنطلق الأول في التدخل التركي، وتأثيره على الوضع الإقليمي، سواءً الجوار العربي أو الطرف الآخر من البحر المتوسط من الدول الأوروبية، ومحاولة نظام أردوغان تغيير قواعد اللعبة السياسية في الداخل الليبي، وما يستتبع ذلك من احتمالات ممارسة ابتزاز دول أوروبية في فتح باب الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا في حال وقف الغرب ضد مغامراته السياسية.
أما المنطلق الثاني، فهو احتمال عودة تنظيم “داعش” إلى ليبيا، مستغلاً وجود الفراغ الأمني الذي يعيشه البلد، أو نتيجة “تفويج” نظام أردوغان لميليشيات مرتزقة ليحاربوا ضمن قوات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، التي يسيطر على أفرادها أيديولوجية دينية متطرفة تعمل على خدمة أجندات تركية معروفة بطموحاتها في استعادة دولة الخلافة الإسلامية.
لمبادرة السلام المصرية إلى ليبيا بعد آخر، غير الرغبة الدولية في تحكيم لغة العقل من أجل معالجة الأزمة وإخراج “المتطفلين” الذين يعيشون على الفوضى في الدول الأخرى، لذلك تنظر الإمارات للتحرك المصري باعتباره عودة إلى ممارسة مصر لدورها التقليدي في المعالجة العربية للأزمات العربية، بعد حالة الشلل الذي أصاب الدور العربي، وهو ما أدى إلى وجود فراغ سياسي حفز أطماع دول الجوار الجغرافي، بالتدخل في الشأن العربي وزيادة تعقيد المشكلات العربية وتجميدها بحيث لم يعد أحد يستطيع تحقيق أي تقدم، أو حتى مجرد التفكير في تحقيق لقاء بين الأطراف المتنازعة.
سرعة تجاوب دولة الإمارات مع المبادرة المصرية ناتجة عن إدراكها الخطر المحدق على الأمن القومي العربي انطلاقاً من ليبيا، بقيادة تركيا والتنظيمات الإرهابية التي يجندها أردوغان.
لقد علمتنا التجارب أن الشعوب العربية هي وحدها من يدفع الثمن، والآن سيكون الليبيون من يدفعونه، خاصة لو أصروا على استمرار الحل العسكري مع الوجود التركي، وسيكون بالتالي من الصعب التنبؤ بمضاعفات عدم الاستقرار، لأن احتمالات تحول بعض الدول المجاورة لليبيا من حالة الحياد والمتابعة، إلى طرف مشارك في الحرب الداخلية، مسألة واردة بوجود دولة ثبت أن لها طموحات عابرة للحدود مثل تركيا، التي تدار بعقلية أردوغان المتغطرسة!