علي الصراف يكتب:
هل كسبنا المعركة ضد كورونا؟
أعداد المصابين بوباء كورونا كبيرة، بل إنها ما تزال تتصاعد كل يوم، ومعها أعداد الوفيات أيضا. ولكن هناك في عالم اليوم، العشرات من تجارب البحث عن علاج ولقاح، وبعضها يحقق نتائج مشجعة، إلى درجة تسمح بالقول إن العالم يكاد يقف على عتبة مرحلة أخرى، ليس في مواجهة هذا الوباء العصيب فحسب، ولكن أيضا في مواجهة كل الأوبئة الفايروسية الأخرى.
فما تحقق من معرفة، بين العديد من مختبرات الأبحاث، أوجد سبلا لم تكن مطروقة من قبل تسمح بالتحكم بفاعلية البنية الجينومية للفايروسات.
هناك أيضا علاجات تجريبية سمحت بإنقاذ الكثيرين. وبينما يصارع الملايين من أجل البقاء على قيد الحياة، فإن المستشفيات والمختبرات تصارع أيضا في جمع البيانات، وتحقق في فاعلية العلاجات المقترحة وتجرب وسائل جديدة لتخفيف الأعباء، وتشارك في تقديم خيارات وبدائل، كما تكافح في البحث العلمي والتجريبي لعلها تتمكن من العثور على معجزة، يؤمن الكثيرون أنها ممكنة التحقيق.
كل ذلك حصل في غضون الأشهر الأربعة الماضية، وهو ما لم يسبق أن تحقق في أي وقت من تاريخ الصراع البشري مع المرض.
حسابيا، كان هناك ما قد يستحق الالتفات إليه.
فريق البحث في جامعة امبريال كوليدج في لندن، الذي أقنع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتعديل سياسته تجاه تفشي الوباء، يقول إنه “لولا إجراءات الإغلاق لأصبحت حصيلة الوفيات ضخمة”.
فريق البحث الذي قيّم أثر القيود في 11 دولة أوروبية، هي النمسا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة، إلى حد بداية مايو، والتي توفي فيها نحو 130 ألف شخص، قال إن نحو 3.3 مليون شخص كانوا سيتوفون لو لم يتم اتخاذ إجراءات مثل إقفال المؤسسات ومطالبة الناس بالبقاء في المنزل.
تقديرات هذا الفريق قالت أيضا إن 15 مليون شخص من جميع أنحاء أوروبا كانوا سيصابون بحلول بداية مايو. وفي الوقت نفسه، ومع معدلات الوفيات المتوقعة تلك، فإن الوباء كان سوف يتراجع بفضل فاعلية “مناعة القطيع” التي تكون قد تحققت تلقائيا بحكم ما أحدثته من ضرر.
هذا الفريق بالذات كان هو الذي أوقف التصور الأول الذي انتهجته حكومة جونسون في بريطانيا بسبب كلفته البشرية العالية. فخسرت بريطانيا، بين إستراتيجية وأخرى، ثلاثة أسابيع، كان يمكنها أن تنقذ عشرات الآلاف ممّن قضوا بالتلكؤ.
دراسة أخرى أعدتها جامعة كاليفورنيا بيركلي، عن أثر حالات الإغلاق في الصين وكوريا الجنوبية وإيران وفرنسا والولايات المتحدة، قالت إن الإغلاق منع 530 مليون إصابة في تلك الدول التي كانت حالات الإصابة فيها تتضاعف كل يومين. ولو أن معدل وفيات يبلغ 5 في المئة فقط من المصابين، فذلك كان سوف يعني 26.5 مليون وفاة.
فهل كسبنا المعركة؟
في الواقع، ليس بعد. ولكننا كسبنا جزءا مهما منها على الأقل.
باحثو امبريال كوليدج يقولون إن الوباء ما يزال في بدايته. وهم يتوقعون موجة ثانية قد لا تكون أقل سوءا من الموجة الأولى.
فما الذي كسبناه؟ وما الذي من المتوقع أن نخسره؟
لقد كسبنا حياة الملايين ممّن كانوا سوف يقضون بالوباء، قبل أن تتوفر الإمكانية لإنقاذهم.
ولقد كسبنا ستة أشهر من الوقت. وبمقدار ما تجمع من مشاريع علاج ولقاح، فإن شهرين آخرين قد يفتحان الباب أمام منعطف كبير، ينفتح بدوره على منعطف أكبر إذا ما اجتمعت الجهود لإنتاج المليارات من الجرعات المطلوبة.
العالم يراجع أدواته الاقتصادية وخبراته العلمية أيضا، ويكاد يدرك أن مفهوما جديدا للقوة صار مطلوبا لكي لا يقتصر على مقدار ما تملك من صواريخ نووية عابرة للقارات. وهذا بحد ذاته منعطف كبير، يمكن أن يدفع إلى الحد من الإنفاق العسكري، ليرفع الإنفاق في مجالات تبدو اليوم أكثر حيوية وإلحاحا.
أنظمة الإدارة والتعليم التي وجدت نفسها أمام امتحان صعب، تخرج من الصدمة بإمكانيات وتطبيقات جديدة يمكنها في النهاية أن ترفع مستويات الأداء وتحد من التكاليف.
ولقد كسبنا سلوكا اجتماعيا جديدا يحد من تفشي الوباء. فارتداء الكمامات من جانب كل شخص، على الأقل، يضيف إلى معركة الوقت دقائق مهمة يمكنها أن تحمي حياة الكثيرين.
ولئن كنا نتوجع لخسارة المصافحات والعناق والقُبل، فهذه خسارة مؤقتة على أي حال. وهي تكشف عن مقدار الحاجة الإنسانية للتقارب الجسدي الذي لم نكن نقدر أهميته من قبل. أصدقاء وإخوة وأحباء كثيرون نشتاق اليوم لكي نقفز فنعانقهم. ولكن لا بأس. الوقت سيمضي قبل أن نجد أنفسنا من جديد نمارس ذلك الشيء الذي نحتاجه كأطفال لا يكبرون أبدا. ولكننا هذه المرة سوف ندرك قيمته الإنسانية الكبرى.
وقد نخسر ضحايا آخرين إذا ما اندلعت موجة جديدة، إلا أننا، وقد بتنا نعرف الكثير، ندرك أن معركة الوقت تبدو وكأنها الفصل الأهم، ولكنها معركة إعادة بناء أيضا. ولو أنها مضت في الاتجاه العقلاني الذي يدرك معنى أن يكون العالم واحدا في فقره وغناه؛ عجزه وقوته؛ مرضه وشفائه، فإن كل خسارة أخرى، قابلة للتعويض.