فاروق يوسف يكتب:
علي الأمين رجل الحقيقة أمام دولة الزيف
أن توجه إلى شخصية وطنية مثل السيد علي الأمين مجموعة من الاتهامات، في مقدمتها تهمة الاجتماع بمسؤولين إسرائيليين هو أمر في غاية السخف الذي ما كان على القضاء اللبناني أن ينزلق إليه. فهو نوع من السلوك الكيدي الذي يصلح أن يكون مادة للشائعات الرخيصة التي تهدف إلى إحداث تشويش في عقول الناس البسطاء.
فالرجل لا يُخفي شيئا من أفكاره ولم يظهر يوما ما بمظهر متطرف في انحيازه لتلك الأفكار. وكان في كل ما يصدر عنه عنوانا للتسامح والإخاء والدعوة إلى المساواة ونبذ الطائفية. وفي ذلك يأتي رفضه لدويلة حزب الله وهيمنتها على الدولة اللبنانية وحرصه على أن يسود مبدأ المواطنة.
كان الأمين حريصا على أن يكشف في كل مناسبة عن موقفه المناوئ لسلاح حزب الله وكان قد ندد عام 2008 بغزوة بيروت التي قام بها حزب الله. وهو ما دفع بذلك الحزب إلى أن يضعه في خندق الأعداء في الوقت الذي لم يكن الرجل ينطلق في مواقفه من موقع الخصومة.
ربما سبق للأمين أن تعرض للترهيب في أوقات سابقة. ذلك ما يمكن توقعه من تنظيم عقائدي متشدد مثل حزب الله الذي سبق وأن حامت حوله شبهات التورط في اغتيال شخصيات سياسية وإعلامية لم تكن على وفاق معه مثل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والنائب والإعلامي جبران تويني والكاتب سمير القصير.
الأمين بما عُرف عنه من تاريخ سياسي هو معارض للبنان الطائفي الذي هو من وجهة نظره نقيض العدالة الاجتماعية لما يقوم عليه من أسباب للتمييز بين مواطن وآخر كما أنه باعتباره رجل دين شيعيّا لا يضع في اعتباره الكثير من المرويات الشيعية التي يؤدي تبنيها إلى إحداث فتنة بين مكونات المجتمع الواحد.
“رجل دين متنور” ذلك تصنيف ساذج لا يليق بشخصية جدلية على قدر واسع من المعرفة مثل السيد علي الأمين. فلبنانيته التي لا يساوم عليها تكاد تكون مصدرا رئيسا لفكره السياسي الذي لا يستظل بالفقه الديني إلا من جهة النزاهة والعفة والحكم العادل.
لذلك لم يكن الأمين ليستعرض بطولته الشخصية وهو يفصح عن أفكاره في ما يتعلق بالمقاومة وحزب الله والسلاح الفالت وأهمية أن يستعيد الكيان اللبناني وحدته على أساس سياسي بعيدا عن تجاذبات الأحزاب ومصالحها ومافياتها التي جرّت لبنان إلى مستنقع الفساد.
لم يكن استعراضيا لأنه لم يكن يبحث عن جاه سلطوي.
سمعة الأمين باعتباره رجل دين شيعيّا معتدلا حالت دون اغتياله، فهو لا يهدد مصالح حزب الله على المستوى السياسي بشكل مباشر. لذلك اكتفى خصومه برسائل التهديد وهو ما لم يدفعه إلى الصمت. ذلك ما شكل دافعا إلى إشهار ورقة التخوين في وجهه من أجل تشويه سمعته على الأقل فالفكرة تقوم على أساس باطل.
كان هناك يهود في مؤتمر حضره السيد علي الأمين في البحرين كان موضوعه الحوار بين الديانات. بالنسبة إلى شخصية منفتحة على الآخر مثل الأمين فإن حضور مؤتمر من ذلك النوع هو مناسبة للاستماع إلى الآخر وجره إلى الموقع الذي يكون فيه مستعدا للتخلي عن عصبيته.
تلك ممارسة لا تصلح أن تكون موضوعا لتهمة.
ما تبعها من جرائم ارتكبها السيد الأمين هي ما يكشف عن الأسباب الحقيقية لتلك المكيدة؛ “مهاجمة المقاومة وشهدائها بشكل دائم والتحريض بين الطوائف وبث الدسائس والفتن والمس بالقواعد الشرعية للمذهب الجعفري”، وبما أن حزب الله قد احتكر التمثيل الشرعي لشيعة لبنان فإن تلك الاتهامات إنما تمثل وجهة نظره.
المشكلة مع حزب الله. غير أن القضاء اللبناني قام بدور لا يليق به حين حاول التغطية على تلك المشكلة بجريمة اللقاء برجال دين يهود وهو ما عبر عنه منطق الإدعاء بالاجتماع بمسؤولين إسرائيليين في البحرين وهو تحريف لغوي سيء النية للواقعة.
بالنسبة إلى السيد علي الأمين فإنه كان يتوقع الأسوأ بعد أن قرر أن يقول الحقيقة. غير أن الواقعة تكشف عن حالة فشل مزدوج للدويلة التي سخرت الدولة في خدمة صغائرها وللدولة التي صارت تستخف بمؤسساتها بحيث صغرت لتكون في خدمة الدويلة.