د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عدن وحديث الذكريات وأيام الزمن الجميل (6)
ليل عدن :
ليل عدن له نكهة خاصة في تلك الأيام .. الباصات ليست مزدحمة.. الركاب جالسون في مقاعدهم والكمساري ينبهنا بصوته وهو يتجول في الممر بين مقاعد الركاب لقطع التذاكر واستلام ثمنها ..ونفتح الشبابيك وتهب علينا نسمات البحر اللطيفة ونحن نخرج من عدن.. وندخل خور مكسر وما أجمل الليل فيها .. ويمر بنا الباص في ليلها الهادئ الجميل وسط الفيلات الجميلة الحالمة .. وأضوائها الهادئة الوادعة.. وداعة وسكون أهلها.. والمصابيح الذهبية تظهر أنوارها على استحياء من نوافذها الزجاجية البيضاء.. وستائرها الملونة .. الوردية .. والصفراء والحمراء والهواء يداعب أشجارها في الشوارع المضاءة ..مع نسمات الليل وسكونه و الباص يسير على شارع خور مكسر الذي يتعرج ويمر بنا وسط تلك الأبنية الجميلة و نمر بتلك المشاهد وكأننا في حلم جميل.. حيث تنقطع تلك المشاهد الرومانسية بعد خروجنا من خور مكسر.. ونحن نقترب من سور معسكر" شامبيون لاين" أو معسكر النصر ثم ننزل في المحطة المقابلة لبوابته.
أماكن كنا نرتادها في عدن:
المطاعم:
كنا نرتاد مطاعم معروفة في عدن آنذاك ومنها: مطعم البحر الأحمر في كريتر إلى الغرب من سينما "هريكن" وكان يقدم الوجبات العصرية غير الشعبية، ويمتاز بالنظافة والهدؤ..!
أما في الشيخ عثمان فقد كنا نرتاد "مطعم دي لوكس" وهو من أرقى المطاعم وأغلاها ويقدم الدجاج والبطاطس والكاتشب والخبز الإفرنجي وهو شبيه بكنتاكي هذه الأيام.
أما المطاعم الشعبية فقد كنا نتناول بعض وجبات الغداء والعشاء ومنها المخابيز التي تنتشر في محيط مسجد النور بالشيخ عثمان .. وفيها مأكولات لذيذة جدا خاصة وجبة الغداء حيث تقدم السمك المشوي في التنور مع فتة بالسمن أو التمر.. أو الرز واللحم والمرق وتسمى "مخبازة" وأكلها جيد جدا، ولكن يعيبها شيئين:
الأول: الزحمة والإزعاج والمناداة بأصوات مرتفعة.
الثاني: عدم توفر النظافة العامة في المخبازة بصورة عامه في الأثاث والمطبخ والعاملين الخ..
ولكن جودة الطعام تجعلنا نتغاضى عن تلك الأمور.وهناك بعض المحلات الراقية أمام سوق السمك بالشيخ عثمان ومنها محل لا يحضرني اسمه، كان يقدم فقط شراب الثريب البارد – وعادة ما نذهب إليه عصرا..!!
ويقول الكاتب العدني بلال غلام حسين :
")مطعم الطاووس" كان محله في الزعفران ويملكه العدني العريق العم صالح حاجب يرحمه الله، الذي سكن في حافة القاضي وكان من أعيان الحافة، أشتهر المطعم بتقديم "الزُربيان" بصفة خاصة وبقية الأكل بصفة عامة مميزة، كانت له شهرة عظيمة في عدن، والقليل من يعرف سر مطعم الطاووس، كان الطعام لا يطبخ في المطعم وخاصة الزُربيان المشهور, كان الطعام يُطبخ في بيت صالح حاجب بطريقة خاصة لهذا كان الطعام مميز.
أيضا في الزعفران "مطعم جُمعان" الحضرمي، كان مطعم جُمعان يبيع "الصياديه"، ويفتح في الظٌهر فقط لوجبة الغذاء، وحتى السعر محدد ودائم .. شلن ونصف، صحن صياديه .. وصله صيد و رز – واحد قلص "بان هيس" ماء بارد. كان العم جُمعان رجل شديد التدين فهو يصلي الفجر ويذهب إلى سوق الصيد – أي السمك باكرا ويشتري أحسن الصيد للمطعم، كانوا رجال أتقياء يحبوا مهنتهم ويخلصوا لها.
ويأتي المطعم الثالث، "مطعم صالحو" يملكه الرجل الصومالي العريق صالحو، ولا أحد يعرف متى جاء هذا الرجل إلى عدن، كان المطعم في مدخل حافة الشريف وأمام منزل فنان عدن التاريخي – الفنان أحمد قاسم، كان مطعم متخصص ظهرآ فقط - مرق مع لحم الغنم الصومالي اللذيذ، نصف حبه ليم، قرص روتي أبو صندوق، قلص ماء .. ب 2 شلن سعر محدد، وفي المساء مرق و كراعين، نصف حبه ليم، قرص روتي أبو صندق، قلص ماء بارد – السعر شلن ونصف، ولا يوجد أي نوع آخر من الطعام نوع مميز ومحدد)ّ!!
أما أشهر مطاعم الفول هو محل علي احمد في الشيخ عثمان حيث يقدم أشهى وجبات الفول خاصة في المساء وتوضع الطاولات في المساء أمام المطعم في الساحة المقابلة له ، وما إن يجلس الزبون حتى تقدم له فتيات صغيرات أقراص الخمير الشهية الساخنة المخبوزة في البيوت وبأسعار مناسبة جدا ، وقد شاهدت ذات ليلة ومعي أحد الأصدقاء بحضور الرئيس سالم ربيع علي في بدايات توليه مجلس الرئاسة آخر عام 1969م ومعه صديق له يتناولان العشاء على بعد أمتار قليلة منا ودون حراسة خاصة ّ!َ!!
والى اللقاء في الحلقة السابعة – د. علوي عمر بن فريد