د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الرفاق الماركسيون والزمن الأغبر!! (4)
أناشدك الله يا عدن..يا من استوطنت قلبي وخلايا ذاكرتي ومسام جسدي وأحببتك.. بأهلك الطيبين ..بجبالك، بشواطئك، بمبانيك، وأسواقك ...منذ أن غادرتك وأنت ترحلين معي في شراييني... أناشدك الله يا عدن أن لا تنسي أحبابك وعشاقك الطيبين المسالمين!! .. منذ أن غادرتك وأنا أجوب البلدان، عبرت الفلوات والفضاء والبحار والأنهار والمدن و لم اقنع بغيرك بديلا!!
جلست على ضفاف دجله والفرات، وحفرت اسمي واسمك على ضفافه .. وألصقت صورك على كتبي ودفاتري..وبكيت عليك..ركبت قاربا في النيل في قاهرة المعز وحفرت اسمك عليه.. تأملت النهر الأصفر في سنغافورة..وتساقطت دموعي حزنا عليك !! وسكبت أشواقي وحنيني مع أوراق أشجار الخريف..في دمشق وحملها الماء الذي يجري في نهر بردى.. ولم يحملني إليك.. انتظرت طويلا في مطارات العالم وفي كل مكان أرحل إليه.. وأنا أحلم بالوصول إليك ولم أصل حتى اليوم !! تعذبت لكي اجتاز الحواجز والجمارك.. في بلدان عديدة ولم يرحبوا بي مثلما كنت ترحبين بأبنائك.. ينظرون إلي بعيون الشك والريبة .. يسألون عن هويتي؟؟، وأنت لم تسأليني..لأنك تعرفين ملامحي !!ّّ فهويتي محفورة على جبيني ولا يقرأها إلا أنت !!!؟؟
وعندما أقبل عليك كنت تطوقينني بذراعيك .. وتهشين وتبتسمين لي كلما زرتك..وأنا يافع في شرخ الشباب لا يعرف الكره ولا والحقد ولا الشعارات ..تسكن قلبه البراءة والسكينة والوداعة .
عدن إن الحر لا ينسى ذكرياته وأحلامه وجذوره وهويته مهما قسا عليه الزمن ..لقد شاء القدر أن أفارقك، وفي خضم ألمي ولوعتي ويتمي وغربتي ..أخذ الله بيدي فعشت واستقريت في أكرم وأقدس وأطهر بلاد..بلاد الحرمين الشريفين لقد احتضنتني وآوتني..فبدلت خوفي أمنا..وكربي أمانا.. وفقري سترا ويسرا، وجدت فيها وفي أهلها ما افتقد ته فيك يا بلادي..الأمن والأمان والعمل والخير والإيمان ونور الإسلام.. لقد عشت فيها منذ كنت صبيا..عشت عزيزا مكرما وأنا اليوم أخطو إلى الكهولة..ولم أزرك منذ سنوات طوال.. وكنت أتمنى أن ألثم ثراك قبل أن أموت!!
ورحلت إلى بلاد الشام للعلم والدراسة والزيارة فنهلت من علومها ..وتعلمت من أدبائها وعلمائها وكان لي شرف مصاهرة أهل الشام..وأحببت زهرة من بناتها فكانت لي سندا وعونا في دروب الحياة العسيرة..تذكرني بياسمين الشام وحدائقه المعلقة وكروم العنب وبيوت المهاجرين والمسجد الأموي وسفح جبل قاسيون .. وسهل الزبداني وهضاب بلودان التي تعانق القمر والنجوم.. وكلما جلست على ضفاف نهر بردى..أتذكرك يا عدن وينهمر الدمع من عيوني ويحرق أجفاني!! واساني أهل الشام الكرام في محنتي ومأساتي..عندما أصبحت بلا وطن فتحوا لي بيوتهم وقلوبهم.. أحبوني وأحببتهم .. فنانون.. علماء.. شعراء.. كتاب.. رسامون.. مبدعون..وطالت جلساتنا ونقاشاتنا في جامعة دمشق..وفي قهاوي الروضة والحجاز والنوفرة..ووادي بردى.. ولم أشعر يوما أنني غريب في بلاد الشام!!
إن رحلتي خارج أسوار الوطن..مثل عشرات الألوف من أبناء وطني لا زالت مستمرة حتى اليوم !! ورغم قسوة الفراق ما زلت أردد قول الشاعر العربي:
وطني لو شغلْت بالخلد عنه.. نازعتني إليه في الخلد نفسي.!!
الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلّا في تربة المحبة وتسقى بالصدق والتسامح . الوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل معلقة وساكنة في كل سهل وجبل فيه.
وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة
د. علوي عمر بن فريد