تاج الدين عبد الحق يكتب:

ترامب يحتفظ بالرئاسة حتى لو خسر الانتخابات

في العادة، يكون الرئيس الأمريكي في انتخابات الدورة الرئاسية الثانية، أوفر حظًّا من منافسه، خاصة إذا كانت للرئيس إنجازات داخلية، أو مواقف سياسية، تعزز حظوظه الانتخابية.

ومع أن استطلاعات الرأي حاليًّا تشير إلى تقدم المنافس الديمقراطي جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب،بنسبة كبيرة نسبيًّا، إلا أن من المبكر التعويل على هذه الاستطلاعات لترجيح كفة أيّ من المتنافسين. فالفارق في توجهات الناخبين لا يزال متذبذبًا حتى لو رجح -الآن- إلى جانب بايدن، والموضوعات التي يمكن أن تحدث تغييرًا في المزاج الانتخابي الأمريكي، هي في حالة من السيولة الشديدة التي لا يمكن معها تقدير تأثيرها في توجهات الناخبين من الديمقراطيين أو الجمهوريين .

الشيء المؤكد إلى الآن، أن ترامب تجاوز المرحلة التي كان فيها يُنظر إليه، في داخل أمريكا وخارجها، كغلطة؛ إما بسبب تاريخه الشخصي المثير، وإما  بسبب تصريحاته ومواقفه الأولى التي وضعته في مواجهة مع شرائح عديدة من المجتمع الأمريكي، ومع العديد من الدول الأجنبية، لدرجة جعلت البعض يعتقد أن الرئيس قد لا يكمل ولايته الأولى، وأن ما كان يرتكبه من أخطاء سياسية ودبلوماسية تشوه مقام الرئاسة الأمريكية، لا الرئيس فقط.

اليوم تتبدل الصورة بشكل جذري؛ فما كان ينظر إليه على أنه تهور ورعونة، بات في نظر الكثيرين جرأة وشجاعة، وما كان وعودا انتخابية فارغة، تحول إلى حقائق حياتية، وسياسية، لا يمكن تجاوزها والتراجع عنها حتى لو جاءت الانتخابات برئيس من الحزب الديمقراطي المنافس .

هنا نسأل هل يمكن لجو بايدن أن يعود إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي كان أيقونة العمل السياسي لترامب؟ وهل يمكن أن يتراجع عن قرار واشنطن نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس المحتلة؟ وهل يمكن احتواء نذر الحرب التجارية والاقتصادية التي أشعلها ترامب مع الصين؟ بل هل يمكن التراجع عن خطوات التطبيع مع كوريا الشمالية؟.

في العادة لا تشهد السياسات الأمريكية انقلابات تبعًا لتغير ساكن البيت الأبيض، وما بدأه الرؤساء الجمهوريون في فترات رئاستهم، استكمله الديمقراطيون فيما بعد، أو أضافوا إليه، والعكس صحيح حتى وإنْ اختلف الأسلوب .

في الانتخابات الأمريكية المقبلة، لا يبدو أن الملفات الخارجية تحت المراجعة الجادة من الديمقراطيين في حال فوزهم، وأغلب الظن أن بايدن لا يجرؤ -إنْ فاز- على تغيير موقفه من الاتفاق النووي مع إيران وسيتمسك بالمكاسب التي حققتها إدارة ترامب من إلغاء الاتفاق، وحتى لو أبدى شيئًا من الاستعداد للعودة للاتفاق فإن هذه العودة ستكون مشروطة بشكل يحفظ للولايات المتحدة ما سعت إليه إدارة ترامب عندما قررت إلغاءه.

فالاتفاق النووي الذي تحفظ الديمقراطيون على إلغائه، وكان موضع مباهاة لإدارة الرئيس الديمقراطي السابق بارك أوباما عند إبرامه، لا يمكن العودة إليه بقضّه وقضيضه الآن، فقد خلق الإلغاء ظروفا جديدة، وحقائق مختلفة لا بد أن تؤخذ بالحسبان، إذا ما أريد التراجع عن الإلغاء .

الحال ذاتها ستكون مع نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، الذي امتنعت عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، فلا يمكن في ظل تأثير اللوبي اليهودي الواسع في واشنطن، التراجع عنه، أو تغييره . وكذلك الأمر بالنسبة لصفقة القرن التي أطلقها الرئيس ترامب لا يمكن حذفها من أجندة أي تسوية محتملة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

حتى بالنسبة للعلاقات مع الصين ومحاولة حل الخلافات التجارية، فإنها لن تشهد انقلابًا يعيد عقارب العلاقات التجارية للنشاط الذي كانت عليه .

الذين يتوقعون أن تكون الملفات الخارجية عامل ترجيح لأي من المرشحَين الديمقراطي بايدن أو الجمهوري دونالد ترامب متسرعون –حتى لا نقول مخطئون — . فهذه الملفات لن تكون موضع خلاف حقيقي بين المرشحين حتى لو شهدنا بعض المزايدات في الحملات والمناظرات الانتخابية .

الغالب الأعم أن العامل المرجح هو الأزمات الطارئة التي واجهها الشارع الأمريكي في العام الأخير من الفترة الرئاسية الأولى للرئيس ترامب، ابتداء من أزمة وباء الكورونا ، ومرورا بالتداعيات الاقتصادية الحادة التي خلفتها، وانتهاء بالحالة العنصرية التي خلفها مقتل جورج فلويد على يد رجال الشرطة .

خلاصة القول: إن ترامب سيترك بصمته في البيت الأبيض والتاريخ الأمريكي حتى لو خسر مقعد الرئاسة، فيما سيكون الديمقراطيون أسرى لسياسات عارضوها أو انتقدوها حتى لو اعتلَوْا سدة الحكم .