د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
من لم يقرأ تاريخه لن يصنع حاضره ولا مستقبله !!
مارس الإعلام العربي سياسة التضليل وقفز على وقائع التاريخ ماضيا وحاضرا واكتفى برفع الشعارات باسم الثورات وقادتها العظام وأحزابها الطليعية وكان إعلاماً غوغائياً كاذبا مارس سياسة الدجل وغطى على الأخطاء والخطايا وأسهم في الكوارث والنكبات التي لحقت ببعض الشعوب العربية ومنها اليمن .
واليوم وفي خضم الحروب التي تعصف بنا ونحن نحاول كسر حواجز التسلط والظلم، تنتهج أكثرية وسائل الإعلام نفس النهج القديم من غياب الموضوعية وممارسة الكذب والشتائم السوقية والانحياز الأعمى لسلطة الحاكم والمال والانخراط في الصراعات الطائفية الغبية ..!!!
وهناك منا من يمارس الحماقات والجنون مثل حماقات الدواعش والقاعدة وهي تمارس نفس الدور الذي مارسه الخوارج والقرامطة في الماضي وتشويه الدين وإسفافه ، وكما قال الكاتب الساخر برنارد شو : إن الشيء الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم شيئاً منه !!.
ولا نبرئ ساحة الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية وكوادرها .
إننا نقف اليوم أمام منعطف تاريخي خلاصته : إما أن نكون أو لا نكون !!
ولكن كيف نبدأ أولاً .. هل بالتجريم والتخوين لبعضنا البعض ؟ وحقوقنا لازالت مسلوبة ؟ وهل نحكم على بعضنا بسوء النيات !!؟ قد يقول قائل : هناك من أوصلنا إلى هذه المآسي وأوغل وتغول في دماء شعبنا ويجب محاكمته ؟ وهناك من تلاعب بقضيتنا وأثرى على حساب شعبنا ..!!
وهناك من هم في مواقع ومراكز سياسة ولديهم إمكانيات مالية هائلة تدفع لمساعدة الشعب ولكنها تذهب إلى جيوبهم وحساباتهم البنكية !!
لم يواسوا أسرة شهيد ولم يعالجوا جريحا ،وقد يقول البعض هناك من لا زال يعتقد انه في قائمة الزعامات التاريخية .. وهو قد استوطن أوربا أو عاش منعماً خارج الوطن .. ويتابع أحداثه عبر الشاشات من خلال التصريحات بين الحين والآخر .. أو حضور اللقاءات والمشاورات التي تعقد في ردهات الفنادق ولا زال يتكلم باسم شعب الجنوب .. ويطالب باستعادة دولته ويعزف على عواطف شعب الجنوب وأوتاره وآلامه ..
و في الوقت نفسه يدير أملاكه و استثماراته التي اكتسبها من أزمات شعبنا و نكباته،
و هناك فئات لا زالت تكرس ثقافة الأنا و من بعدي الطوفان.
و هناك فئات لا زالت تستجر الماضي بكل ظلاميته و مآسيه و تسعى للإنتقام و التربص بالآخرين ، و هناك فئات من أبناء الجنوب باعت نفسها للحوثيين ،عسكريه، و سياسيه، ودواعش وقاعدة !!
و تسعى لتخريب الوطن، و فضلت مصالحها على أهلها و عشيرتها .
أننا شعب عاطفي انفعالي سرعان ما نثور و نغضب و سرعان ما ننسى ولكننا نعود إلى نفس المربع من جديد ، شعب يكابر ولو على حساب مصلحته و حقوقه المشروعة .
فهل نقرأ و نتأمل التاريخ حتى لا نكرر نفس الأخطاء القاتلة ؟
قاتلنا بعضنا البعض في الجنوب و بريطانيا لا زالت في عدن ..اغتيالات طالت حتى الأطفال و زعماء النقابات و مشايخ القبائل و رجالات الدين ، و لهثنا خلف الشعارات الماركسية و احتربنا في يناير 1986م و جسدنا المناطقية و القبلية في تلك الحروب و ثبت للعالم أن كل ما رفعناه من شعارات لتضليل السذج فقط والحقيقة أننا لا زلنا نعيش بعقلية عرب الجاهلية قوم داحس و الغبراء .
انفعاليون لا نعرف مصالحنا ، متطرفون في أهدافنا و طموحاتنا و قد خرجنا عن مسار أخوتنا في الجزيرة العربية و فتحنا جبهات القتال على حدودنا مع الجميع.
نمسي و نصبح على الشعارات و الأناشيد الثورية و ما تحمله من تراكمات و أحقاد تاريخية و ارث بغيض خلفناه لأجيالنا و لا زلنا نستجر مرارته حتى اليوم.
فماذا تعلمنا من التاريخ ؟ لا شيء!!
لقد وصل بنا الحال إلى نشر ثقافة الكراهية شمالا وجنوبا و أصبحنا ننفذ بغباء مخططات من الحوثيين وحلفائهم في صنعاء.
سواء كانوا أحزابا أو قيادات سياسية أو دينية أو عسكرية أو عشائرية !!
وهؤلاء بدورهم يؤلبون علينا أشقائنا في اليمن وهم يسحقونهم مثلنا تماما ويحاولون تجييشهم علينا لا لمصلحة اليمن وشعبه ولكن لحماية مصالحهم ونفوذهم الذي بدأ يتآكل ،لقد كانت الوحدة اليمنية حلما راودنا وسرعان ما تحول الحلم إلى كابوس على أيدي الطغاة والمجرمين ، فهل نراجع أنفسنا ونخرج من دائرة الإنفعال وتعميم الكراهية ؟؟
إن الأغلبية الساحقة منا ومن إخوتنا في اليمن قد نالهم الضرر والدمار والبؤس والفقر والأمراض والقتل بسبب هذه الحرب المشتعلة منذ 6 سنوات التي يوقدها المتنفذون على الحكم داخل وخارج اليمن !!
والسؤال الأهم هو: ماذا أعددنا للمرحلة القادمة وهي الأصعب والتي ستقرر مصير الشعب في الجنوب والشمال؟؟؟.
لقد تابع العالم بأسره المظاهرات المليونية التي فجرها شعب الجنوب عدة مرات للمطالبة باستعادة دولته وهويته وحريته بعد أن تبين له أن مشروع الوحدة قد فشل فشلا ذريعا شمالا وجنوبا لهيمنة المتنفذين عليه .
ولا شك أن تلك المظاهرات كانت أكبر استفتاء لشعب الجنوب لفك الارتباط يرسله للعالم وللإقليم ليعيد حساباته وتقييم خياراته ، ويؤكد على مشروعية حقوق شعبنا ورفع المظالم عن كاهله !!
ونقول للمزايدين من المتاجرين بمعاناتنا عليكم إغماد سيوفكم وأقلامكم وألسنتكم وكفوا عن التخوين والتجريم لخصومكم مهما كانت الخلافات والأيام دول ولن تدوم لأحد إلى الأبد .
كما أطالب إخوتنا في الجنوب بالكف عن نشر ثقافة الحقد و الكراهية والسخرية من إخوتنا في اليمن وعدم التعميم على الكل ، فهم والله إخوتنا في النسب والتاريخ المشترك ويجب الحفاظ على الوشائج والمصالح المشتركة بيننا !!
علينا أن ننبذ سياسة الإقصاء والعنف والتنابز بالألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وعلينا أن نتصالح مع أنفسنا ونبني بيتنا الداخلي ونحصنه ضد عواصف الدهر ونكبات الزمان ونقتدي بقول الشاعر العربي القائل :
لا يرفع العلم من كلت عزيمته ولا يكون له ذكر ببوح فم
كالسحب ما ارتفعت إلا على أمل أن تسقي الأرض ماء جالب النعم
وختاما أقول : إن أمة لا تعرف تاريخها وماضيها ولا تقرأ حاضرها لا تحسن صناعة مستقبلها.
د. علوي عمر بن فريد