محمد خلفان يكتب:

صناعة نيلسون مانديلا.. فلسطيني

خلال مراسم توقيع كل من دولة الإمارات ومملكة البحرين لمعاهدة السلام مع إسرائيل يوم الثلاثاء الماضي، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب (الصريح جدا إلى حد بعيد)، إلى أن هناك ما بين خمس إلى ست دول عربية في طريقها نحو توقيع اتفاقيات سلام شاملة مع دولة إسرائيل، وهو ما يعني أن نصف الدول العربية – تقريبا – ستكون قد أقامت علاقات طبيعية مع إسرائيل، بعد مرور نصف قرن من “اللاءات العربية الثلاث”.

ولو استبعدنا الدول العربية الهامشية في القضية الفلسطينية غير المهتمة بما يحدث فيها والتي تفصل بين القضايا التي تخص المغرب العربي وتلك التي تخص المشرق العربي، وتلك الدول التي تعاني من مشكلات سياسية داخلية مثل: اليمن وسوريا والصومال وليبيا، والدول غير المضمونة في مواقفها السياسية بسبب تأرجحها مثل قطر، فإن باقي الدول التي يمكن الاعتماد عليها في دعم الحق الفلسطيني عددها محدود جدا وبالتالي فإن تقدير القيادة الفلسطينية للموقف يحتاج إلى المراجعة.

فالشيء الغريب في المشهد السياسي المتعلق بالدفاع عن القضية الفلسطينية على مدى تاريخها أنها متأثرة بثلاثة متغيرات رئيسية لها علاقة مباشرة بمستقبل القضية وشعبها، وهي؛ المتغير الأول: إن القيادة السياسية الفلسطينية اعتمدت في كل مراحلها بدرجة كبيرة وإن لم تكن بشكل كامل على الدول العربية في استرداد حقها ولم ترد أن تتعب نفسها لتقوم بدورها النضالي بما يغنيها عن التحولات الاستراتيجية رغم أنها عاشت العديد من تلك التجارب المرة، أبسطها كان بعد احتلال نظام صدام حسين للكويت.

أما المتغير الثاني: إن مواقف القادة الفلسطينيين تصر على السير عكس تيار أغلب الدول العربية بل وتقوم “بتجييش” الرأي العام ضدها، وعكس رغبات الدول الفاعلة في السياسة الدولية مثل الولايات المتحدة ولا تريد بذل جهد إيجابي لمحاولة بناء ثقافة سياسية جديدة تجاه حقها. وبدلا من ذلك تحاول أن تستعين بدول ليست لديها رغبة “فعلية” في الدفاع عن القضية مثل روسيا أو الصين أو إيران التي لا تحفظ للعرب وقضاياهم أيّ ودّ.

المتغير الثالث: إن هناك تحولات استراتيجية كبرى وعاصفة في المنطقة والعالم، إما بحكم التنافس بين القوى الدولية أو نتيجة لحالة “تآكل مكانة” القضية لدى الناس بسبب ثباتها لفترة زمنية في مكانها، أو بفعل تغيّر الأجيال وبالتالي تغيّر طريقة التفكير في الأولويات، في مقابل أن قادة القضية لا يزالون مسيّرين بقواعد اللعبة القديمة وبنفس الأدوات ما يجعل من يرفض التغيير أن يركن على الهامش ويخسر بمرور الوقت الكثير، خاصة وأنهم يرفضون كل الخيارات الدبلوماسية التي يمكن أن تزحزح القضية نحو الحل، ولو كانت بالتفاهم مع إسرائيل التي هي اليوم واقع لا يمكن تجاوزه بأي حال، ما يعني التعامل معه بعقلانية وواقعية، وليس بصواريخ طائشة تطلقها حركة “حماس” لتستفز الرأي العام الدولي ضد القضية.

الفكرة أن كل المتغيرات السابقة هي عوامل مساعدة للقضية الفلسطينية وليست أساسية أو هكذا أعتقد، فالعامل الأساسي والمحرك الحقيقي هو الموقف الفلسطيني الداخلي الذي يحتاج إلى أن يعيد “ترتيب بيته وتوحيده”، ومن ثم تغيير طريقة “عرض” القضية على المجتمع الدولي، فبدلا من التركيز على “تخوين” كل من يتوصل إلى تفاهم مع إسرائيل أو إبداء الاستعداد لمقاتلة “الجميع” وأخذ الحق بالقوة، يكون طرح القضية بأسلوب يخلق تعاطف الرأي العام العالمي مع القضية، وبذلك تكون كل القضايا الإنسانية هذه قد حلت.

من المهم جدا بل من الضروري استراتيجيا، إعادة صياغة “الأدوات القتالية” المستخدمة في الدفاع عن الحق الفلسطيني لتكون مواكبة للزمن، فالقضية عادلة بلا شك، والقوى الناعمة الفلسطينية متوفرة ومنتشرة على مستوى العالم ولكن غير مفعّلة لأن القيادة الفلسطينية إمّا أنها لا ترغب في ذلك وإمّا أنها لا تدرك المتغيرات على الساحة الدولية. ما تحتاجه القضية الفلسطينية عقلية سياسية أخرى غير تلك العقلية القائمة على التهديد وتهييج الرأي العام وإطلاق صواريخ إيرانية الصنع لتسقط ضحايا مدنيين فهذه الاستراتيجية أثبتت فشلها منذ فترة، المطلوب صناعة نيلسون مانديلا فلسطيني.