صالح البيضاني يكتب:

آخر قلاع "الشرعية"

يكفي للتدليل على حالة العجز في معسكر المناهضين للمشروع الحوثي الإشارة إلى التعثر في تنفيذ "اتفاق الرياض" الذي ينظر إليه بوصفه طوق النجاة الأخير للملمة شتات القوى المتناحرة.

حمل العام 2020 في جعبته الكثير من الأحداث والتفاعلات في المشهد اليمني، والقسم الأكبر من هذه التحولات اتسم بالعنف، كما هو الحال مع سمعة هذا العام على مستوى العالم الذي شهد وباء فتاكا وحرائق وكوارث طبيعية.
ولا تبدو التطورات الأخيرة والحادة التي يمر بها الملف اليمني مفاجئة للمتابع الحصيف، حيث أن ما يحدث اليوم على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية هو حصيلة ست سنوات من الحرب وما رافقها من أخطاء وسوء تقدير في بعض الحالات.
فعلى الصعيد السياسي يراوح “اتفاق الرياض” كارتداد مباشر لانعدام الثقة بين الأطراف الموقعة عليه، ورفضِ المؤثرين من كلا الطرفين تمرير اتفاق يعتبرونه انتقاصا من استحقاقات مكتسبة، وقد انعكست حالة التخبط والارتباك الداخلية في معسكر المناوئين للحوثي على الملف السياسي الخارجي في مواجهة موجة جديدة من الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي لقطف ثمار التقدم الميداني الحوثي وارتباك الشرعية، وتمرير رؤية المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، التي توصف بالمنحازة ويشبهها البعض في مضمونها وتوقيتها باتفاق السلم – الشراكة الذي رعاه المبعوث الأسبق جمال بنعمر، عشية الاجتياح الحوثي لصنعاء في 21 سبتمبر 2014.
وكما هو الحال مع تلك الفترة المريرة في تاريخ اليمن السياسي أين وجدت الأحزاب والنخب السياسية ومراكز القوى التقليدية في صنعاء نفسها أمام عنصر دخيل من خارج العملية السياسية، متسلح بأدوات مغايرة ويعمل من خارج قواعد اللعبة المتعارف عليها، فإن المكونات التي تشكل الجبهة المناوئة للانقلاب الحوثي تفتقد اليوم للرؤية والإرادة في مواجهة التغول الحوثي على الأرض والذي تسعى الجماعة المرتهنة لإيران إلى تتويجه من خلال إسقاط آخر قلاع “الشرعية” في شمال اليمن، المتمثلة في محافظة مأرب الاستراتيجية والغنية بالنفط والغاز والمقاتلين القبليين المناهضين للفكر الحوثي.
وتتعمق خسائر الحكومة الشرعية في مواجهة طموحات الحوثي العسكرية، من خلال توازي حراك الحوثيين العسكري مع آخر سياسي يبدو أنه بات يروق كثيرا للمجتمع الدولي والأمم المتحدة اللذين لا يبدو أنه يعتريهما شيء من الاستياء أو حتى “القلق” إزاء الهجوم الحوثي على مأرب آخر معاقل الشرعية في الشمال، لأن ذلك من وجهة نظرهما كما تؤكد المؤشرات جزء من استراتيجية الضغط التي تمارس على “الشرعية” للقبول بالمبادرة الأممية الجديدة التي يسوّق لها غريفيث، وتحظى بدعم من اللاعبين الدوليين الكبار في الملف اليمني.
وأمام هذه الصورة القاتمة التي ترتسم لمستقبل الأزمة اليمنية، في ظل النزيف المستمر لقدرات “الشرعية” وتضاؤل إمكانياتها للاضطلاع بدورها في مواجهة المشروع الإيراني في اليمن، لا تشير التوقعات إلى أي جهود حقيقية تبذل لتفادي الكارثة الوشيكة التي تلوح سياسيا عبر مبادرة غريفيث، التي تضفي في مضمونها الشرعية على الانقلاب الحوثي وتبعاته، وعسكريا من خلال عودة خارطة المواجهات العسكرية إلى الأشهر الأولى من انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015.
ويكفي للتدليل على حالة العجز المستفحلة في معسكر المناهضين للمشروع الحوثي، الإشارة إلى التعثر في تنفيذ “اتفاق الرياض” الذي ينظر إليه العارفون بخفايا الصراع اليمني على أنه قد يكون طوق النجاة الأخير للملمة شتات القوى المتناحرة في هذا المعسكر، واستجماع قواها لمواجهة الانقلاب وآثاره وإنقاذ محافظة مأرب التي تؤكد أحاديث أبنائها المغلّفة بالمرارة أنها باتت وحيدة في مواجهة الحوثيين، إلا من تضحيات رجالها الذين بلغت عنان السماء.
ولا تكمن أهمية مأرب فقط في كونها مركز ثقل بالغ الأهمية في موازين الصراع، ولا في رمزيتها الثقافية والتاريخية، ولا حتى في أهميتها الاقتصادية كمحافظة غنية بالنفط والغاز، بل في أنها المحافظة الوحيدة التي فشل الحوثيون في اجتياحها عقب الانقلاب، ولا يمثل سقوطها اليوم عودة لمشهد 2015 بل أفدح من ذلك، إضافة إلى ارتدادات هذا السقوط على الواقع الهش للشرعية اليمنية التي ستفقد الكثير من عوامل شرعيتها في حال سقطت هذه المحافظة التي تحتاج لبضعة قرارات عاجلة كفيلة بحمايتها، وهي إلغاء اتفاق السويد واستكمال معركة تحرير الحديدة، وتحريك جبهات تعز المعطلة، إضافة إلى تنفيذ اتفاق الرياض وسحب قوات الجيش من أبين وتوجيهها نحو الجبهات مع الحوثي.