صالح البيضاني يكتب:

تحديات الدولة السعودية الرابعة

تحتفل السعودية بالذكرى التسعين لتوحيد البلاد التي توافق الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، وهو اليوم الذي أصدر فيه الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة مرسوما في العام 1932 يقضي بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية.

وتتزامن الاحتفالات بهذه المناسبة التي مثلت تحولا فارقا في تاريخ الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، مع تفاعلات ما بات يعرف في الأوساط السياسية والإعلامية بنشوء الدولة السعودية الرابعة التي رسمت ملامحها التغييرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتسارعة التي اتخذها وليّ العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان.

وبالقدر الذي حققته هذه الخطوات الجريئة من انفتاح على العالم، وإصلاح سريع لقطاعات هامة في الدولة، وتحجيم للفساد ومراكز القوى، إلا أن هذه التحولات وُوجهت بتحديات كبيرة داخلية وإقليمية ودولية نتيجة سعي بعض الأطراف لاعتراض قطار الإصلاحات السريع ووضع العوائق في طريقه.

ومن المفارقات العجيبة التي دأب بعض المراقبين للمشهد السعودي على رصدها، أن الأطراف ذاتها التي كانت تنتقد بعض الملفات الجامدة في السعودية وهيمنة الخطاب المتشدد على كثير من مناحي الحياة، هي ذاتها التي تقود اليوم الحملة على خطة الانفتاح الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وتصف محاصرة تيار ما يعرف بالصحوة بأنه تراجع عن القيم التي قامت عليها الدولة السعودية نتيجة التحالف المبكر مع المؤسسة الدينية.

وتلعب قطر وإعلامها وأذرعها المنتشرة حول العالم، بما في ذلك مخالب التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، الدور الرئيسي في حملة التشويه المنظمة التي تستهدف وليّ العهد السعودي باعتباره العقل المدبر لخطة النهوض السعودية في كافة المجالات، كما تمتد الحملة لتطال فريق العمل الشاب المحيط بالأمير محمد بن سلمان.

وربما يفسر حالة الحنق القطري من دور الأمير الشاب بالعودة للتسريبات الإعلامية التي كشف النقاب عنها قبل سنوات، وأظهرت الرهان القطري على شيخوخة القيادة في التسجيلات الشهيرة بين أمراء قطر والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وهو الرهان الذي أفشلته حيوية الأمير محمد بن سلمان التي أبطلت الكثير من سحر المؤامرة التي كانت تستهدف السعودية كدولة عربية وإسلامية محورية في خارطة النفوذ الإقليمي والدولي.

ومع كل تحول فارق كانت تقوم به القيادة السعودية، كانت الحملة التي تستهدفها وقياداتها تزداد ضراوة تحت مبررات مختلفة تهدف في المجمل لإبطاء عجلة التحول والرهان على عامل الوقت الذي قد يفرز متغيرات لصالح المشروع المعادي للسعودية والتحالف الذي تقوده إلى جانب مصر والإمارات والبحرين، في الوقت الذي اتضحت فيه ملامح التحالف المقابل الذي يجمع تركيا وإيران وقطر والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.

كما يبدو أن رهان هذا المحور المعادي للسعودية بات مرتكزا بشكل كبير على الميليشيات الحوثية التي تؤكد كل التقارير الدولية أن استهدافها العسكري الممنهج للأراضي السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة ما كان ليستمر ويكون بهذا الحجم لولا حصول الحوثي على دعم تقني وعسكري ومالي مباشرة من إيران وبشكل غير مباشر من الدوحة، وبشكل ما من جماعة الإخوان المسلمين التي وظفت نفوذها في اليمن لعرقلة أي محاولات جادة لحسم المعركة وطي ملف الخطر الحوثي.

وبينما تستخدم طهران الحوثي كسلاح فعال في تنفيذ برنامجها المعادي للسعودية، وجدت أنقرة كذلك ضالتها في قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي باتت تستخدمه بشكل متزايد كوسيلة لاستهداف السعودية وقيادتها في أسلوب ابتزازي لا يمت للعدالة بصلة، بقدر ما يهدف لتشكيل محور ضغط جديد على برنامج التحول الطموح الذي يقود دفته وليّ العهد السعودي والذي يعزز من دور المملكة كقائد للعالم العربي والإسلامي وهو المقعد الذي يسعى النظام التركي للاستحواذ عليه عبر أدواته المرتبطة بفروع جماعات الإخوان المسلمين والتيارات الراديكالية الحالمة بعودة “الخلافة الإسلامية”.