لا أدعي أن لي معرفة خاصة بأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، رغم أنني حظيت بمقابلته في مناسبات عديدة، في مستهل حياتي العملية كصحفي شاب متحمس، يتابع ما يجري في محيطه من أحداث وتطورات.
كان الشيخ صباح الأحمد -رحمه الله- من أبرز اللاعبين السياسيين في تلك الفترة، وقد سجل منذ ذلك الوقت، حضورًا طاغيًا، ومكانة في العمل الدبلوماسي لم ينازعه فيها أحد طوال عقود ساخنة، مرت على الكويت كوطن، والمنطقة الخليجية بالخصوص، والمنطقة العربية ككل.
عندما أعلِن خبر وفاته قفزت لذهني صورة المرة الأولى التي التقيت فيها المغفور له الشيخ صباح الأحمد الصباح، في الـ 21 من مايو 1975،كان ذلك في أبوظبي التي كانت محطة دائمة من المحطات التي يمر عليها الشيخ صباح بانتظام ؛ كما لو أنها جزءٌ من برنامج عمله الوطني.
كانت التجربة الاتحادية الإماراتية لا تزال غضة، وطرية، وكانت التحديات والشكوك التي تواجهها وتحيط بها، كثيرة وخطيرة. وكانت الكويت تنظر إلى اتحاد دولة الإمارات، كإضافة تعزز دور الكويت الذي كان يتنامى باستمرار متجاوزًا في أحيان كثيرة جغرافية الوطن الصغير، ومستقويًا بعمقه الخليجي، أو العربي. وكانت الإمارات تنظر للكويت كنافذة دبلوماسية وإعلامية تسوّق منها تجربتها الوليدة.
كانت الدبلوماسية والإعلام هما السلاحين اللذين برعت الكويت في استخدامهما؛ لحفر مكان لها في الخريطة الإقليمية، ولترك بصمة لا يمكن إنكارها، ورسم أثر لا يمكن محوه. وكان الشيخ صباح -رحمه الله- فارسا في المجالين.
عرفه الصحفيون في المنطقة العربية دبلوماسيًّا في الإعلام، وإعلاميًّا في الدبلوماسية. كانت تصريحاته تبشر ولا تنفر، تداوي ولا تجرح، وثير التفاؤل حتى في أحلك الأوقات وأصعبها، كان سمحًا لدرجة تثير الإعجاب، كانت ابتسامته الدائمة سفيرًا دائمًا لعلاقاته بمحيطه الدبلوماسي أو الإعلامي.
عندما عمل وزيرًا للإعلام اعتبره الصحفيون مظلتهم في كواليس السياسة، وعندما تسلم لعقود طويلة مهامه كوزير للخارجية، تحول إلى بوصلة ترشد الصحفيين إلى تجاه الريح ومسارات الأمواج.
كان رحمه الله عصيًّا على الاستفزاز ، في المرات الكثيرة التي كنت حاضرًا فيها لقاءاته ومؤتمراته الصحفية، لم ألحظ منه استعلاءً أو سخرية أو استهزاءً بأحد، كان متواضعًا لدرجة تثير الإعجاب والدهشة.
في الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، كانت الكويت في ”بوز المدفع“ كما يقولون، لكن المكانة الدبلوماسية الرفيعه التي وصلت إليها الكويت، في ذلك الوقت، مكنتها من بناء شبكة متينة من العلاقات الدولية؛ التي حمتها من الانزلاق في تلك الحرب، خاصة عندما بدأت الناقلات الكويتية تتعرض لضربات تهدد صادراتها النفطية.
كانت الدبلوماسية الكويتية حاضرة في مواجهة الغزو، واستطاعت الدولة الصغيرة بفضل نجاحاتها الدبلوماسية، حشد تأييد أممي ساهم في تحريرها وإعادتها لمكانها ودورها الطبيعيين.
لعبت الدبلوماسية الكويتية دورًا محوريًّا في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ولذلك لم يكن غريبًا ولا مفاجئًا تعيين أحد أبرز مساعدي ومستشاري الأمير الراحل وهو عبد الله يعقوب بشارة كأول أمين عام للمجلس، اعترافًا بالدور الذي لعبته الكويت في تأسيس المجلس ورسم سياسته وإستراتيجية عمله.
عندما نستعرض الدور الذي لعبه الأمير الراحل في فضاء المنطقة، سنجد أنه كان ترجمة أمينة لدور دولة الكويت نفسها، وتعبيرًا من تعبيرات التجربة الكويتية، التي نجحت في الإفلات من محاولات التحطيم أو حتى التحجيم.
بوفاة الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، ستفتقد المنطقة، واحدًا من أبرز الرجالات الذين ساهموا في كتابة صفحة مهمة من صفحات الدبلوماسية النشطة التي أسهمت في الدفاع عن هوية الخليج العربي، ووضعته على خريطة العالم كلاعب مؤثر، وشريك بارز.