عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب:

انتخابات العالم بين ترمب وبايدن

انتخابات العالم هي انتخابات الولايات المتحدة، حيث الإمبراطورية الأعظم في التاريخ البشري كله، وفي جميع المجالات، وهي تمرّ بلحظة استثنائية من تاريخها، إذ يسيطر عليها انقسام حادّ وغير مسبوقٍ بين حزبيها الرئيسيين؛ حزب الجمهوريين الحاكم وحزب الديمقراطيين المعارض. الأول بقيادة الرئيس دونالد ترمب، والثاني بقيادة المرشح جو بايدن.
أقل من عشرة أيام تفصل أميركا والعالم عن معرفة الرئيس الجديد لأربع سنواتٍ مقبلةٍ، وأحد الفوارق المهمة بين الرجلين هو أن الرئيس ترمب يقود حزبه ويقود أميركا بحسب الخطط التي رسمها والقرارات التي اتخذها والنجاحات التي حققها، بينما بايدن يقوده الحزب الديمقراطي، وهو أسير لرؤية باراك أوباما والانحراف الذي خلقه في السياسة الأميركية على مدى السنوات الثماني من حكمه.
في حال انتصار الرئيس ترمب بولاية ثانية فسوف يكمل رؤيته ونجاحاته التي تحققت في السنوات الأربع الماضية وبالذات في القضايا الكبرى التي تهم منطقة الشرق الأوسط، حيث نجح الرئيس في وضع النظام الإيراني المارق تحت عقوبات قاسية وغير مسبوقة خففت من مدى الشرور التي كان ينشرها من قبل، وأرغمته، بتحالف دول المنطقة مع أميركا، على العودة للاهتمام بشؤونه الداخلية، وإن لم ينتهِ بعدُ، ولم يتم القضاء المبرم على كل فروعه وذيوله في الدول العربية التي توسع فيها.
في حال فاز الرئيس ترمب فسيواصل العلاقات التاريخية مع حلفاء أميركا في المنطقة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي وجمهورية مصر العربية وبقية الدول المنخرطة معها في دعم استقرار الدول ونشر السلام والاهتمام بالتنمية وبناء المستقبل، وهو فوزٌ لن يسعد دول دعم استقرار الفوضى وجماعات الإسلام السياسي المتحالفة معها من إيران وتركيا وقطر.
في حال فاز الرئيس ترمب فسوف يكون انتصاراً تاريخياً يعيد الحسابات مجدداً في موضوع العلاقة بوسائل الإعلام التي ظلت تعدّ لعقودٍ سلطة رابعةً ومؤثرةً بقوةٍ في الانتخابات الرئاسية والمجال السياسي عموماً، وترمب سبق له هزيمة هذه الوسائل الإعلامية قبل أربع سنواتٍ بانتصاره على هيلاري كلينتون المرشحة المحببة لغالب وسائل الإعلام الليبرالية اليسارية آنذاك.
المؤكد هو أن فوز الرئيس ترمب في الانتخابات السابقة قد أحدث ارتباكاً كبيراً لدى وسائل الإعلام الكبرى، ودفعها للانحراف عن كل القواعد والمبادئ الإعلامية الراسخة لدى وسائل الإعلام الكبرى، التي من ضمنها الموضوعية والحياد، وأصبحت فضائح تلك الوسائل الرصينة تتوالى كل يومٍ بانحيازٍ سافر ضد الرئيس وكل ما يتعلق به، حتى أصبح انحيازها دافعاً لدى البعض لمزيد تأييد للرئيس واستغرابٍ من هذا التعامل الإعلامي غير المسبوق، وسواء انتصر الرئيس في هذه الانتخابات أو لم ينتصر فسيكون واجباً مراجعة الانحرافات الإعلامية غير المسبوقة وغير المهنية التي حدثت في بعض أعرق وأقدم وسائل الإعلام الأميركية والغربية عموماً.
هذا في حال انتصر الرئيس ترمب في الانتخابات المقبلة، أما في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ فإن القصة ستكون مختلفة تماماً، فبايدن لا يمتلك رؤية خاصة به، بل هو يمثل رؤية الحزب الديمقراطي الذي يسيطر على الأوباميين المقتنعين بالانحراف الكبير الذي أحدثه أوباما في السياسية الخارجية الأميركية، وقد كتب كاتب هذه السطور وغيره منذ سنواتٍ شرحاً مفصلاً لذلك الانحراف السياسي غير المسبوق، قبل أن تصدر المعلومات التفصيلية عن بعض المقربين من أوباما؛ من محبته للفُرس الإيرانيين ونظامهم الثيوقراطي وكراهيته للعرب، وانحيازه لكل خصوم أميركا حول العالم ضد حلفاء أميركا التقليديين، وكذلك الفضائح العجيبة التي كشفت عنها الرسائل الإلكترونية في عهد أوباما، التي أوضحت كثيراً من المسكوت عنه في سياسات إدارته، وتحديداً تجاه منطقة الشرق الأوسط.
لقد أوضحت المواقف العظيمة التي اتخذتها السعودية وحلفاؤها في دولة الإمارات والبحرين والكويت في دعم الدولة المصرية وشعبها وجيشها في القضاء المبرم على جماعة الإخوان الإرهابية، وإنهاء اختطافها للدولة المصرية واستعادة الدولة وفرض هيبتها مجدداً.
شرورٌ كثيرةٌ نشرتها إدارة أوباما في منطقة الشرق الأوسط سبق رصدها بالتفاصيل، والسؤال هنا: هل سيعيد بايدن عجلة التاريخ إلى الوراء ويعيد ممارسة ما كانت تمارسه إدارة أوباما من قبل ضد الدول العربية وبالتحالف مع خصومها أم لا؟ والجواب له أكثر من بعدٍ؛ أهمها بُعدان؛ الأول أنه سيكون مضطراً للتعامل مع توازنات مختلفة تماماً عما كانت عليه في عهد أوباما، وقد أصبحت توجهات أوباما وسياساته مكشوفة للجميع لا للقيادات السياسية في المنطقة فحسب، وبالتالي فإعادة الكرة مرةً أخرى لن تكون مجدية بأي حالٍ من الأحوال؛ فالمتآمر ينتهي مشروعه بمجرد كشف مؤامراته.
الثاني أن التاريخ لا يمشي القهقرى ولا يتجه للخلف مطلقاً، وبايدن لن يستطيع دفعه للوراء، وحتى لو حاول ذلك فإنه لن ينجح، وقد تجاوزت الدول العربية تلك المؤامرة الضخمة سابقاً، ومن السهل عليها تجاوزها مجدداً لأنها ستصبح مواجهة مع معلومٍ وليست مواجهة مع مجهولٍ. هذا مع الإقرار بقوة أميركا كإمبراطورية غير مسبوقة في التاريخ، وأنها قادرة على صنع كثير من الشغب والأذى، ولكن مع استحضار أن من أفشل مخططاتها السابقة وتجاوزها قادرٌ على صنع الأمر ذاته مرةً أخرى.
قبل هذا وبعده فالمصالح المتبادلة بين أميركا والدول العربية الكبرى، وعلى رأسها دول الخليج العربي، بقيادة السعودية، أكبر بكثير من أن يخاطر أي قائد سياسي بخسارتها جملةً واحدةً، لأن الخيارات السياسية في المنطقة والعالم مفتوحة لمواجهة أي انحرافٍ سياسيٍ غير محسوب العواقب.
أخيراً، بانتظار نتائج انتخابات العالم فإن دول المنطقة مستعدة لأي تغييرات والسلام الجديد في المنطقة يصنع تاريخاً مختلفاً.