احمد عبداللاه يكتب لـ(اليوم الثامن):
إخوان بايدن وأصدقاء ترامب
أن تتخيل بأن مفهوم العلاقات العربية الأمريكية عند (بعض) الحكام يقوم على قاعدة : مصالح أمريكا مقابل عدم المساس بالأنظمة، فإن ذلك سيوفر عليك نصف الدهشة، وأنت تتابع ميديا الشرق الهائجة بفعل الانتخابات الامريكية. لكنك لن تنجو تماماً من صخب الاستقطاب حين تتجاذبك، إن كنت عربي غير مؤدلج- موجات حمراء وزرقاء إلا إذا انتبهت إلى أنماط اللغة السياسية المحكية ونوع الشاشات، حينها تصبح نشميّاً عربياً بدرجة مواطن صالح.
ترامب أم بايدن؟ حسب المزاج الشرق أوسطي وأهواء حكومات وتنظيمات، لم يكن سؤال تقليدي بل عنوان البحث عن طبيعة مرحلة يوظفها البعض ضد الآخر، فما الفرق؟
ترامب تاجر حملته موجة الليبرالية الاقتصادية الصاعدة، من خارج المنظومة الحاكمة لا يمتلك خبرة سياسية ولا يهتم بالبروتوكولات في أحاديثه، واضح مستفز، لا يرى في المنطقة العربية سوى مورد مالي ومصدر قلق! ومع أنه عدواني في طروحاته إلّا أنه كان يخشى استخدام القوة حتى في ذروة الصراع (ايران، كوريا الشمالية).
ترامب لا يبدو أنه يهتم بفكرة الشرق الاوسط الجديد أو الخريطة الطائفية والأحزمة الديموغرافية وفقا للمقاربات الاستشراقية التي تبناها أقرانه من الجمهوريين الصقور وساعد الديمقراطيون على تركيبها جزئياً إبتداءً من العراق وسوريا.. إلا أنه من زاوية أخرى لا يخفي دعمه المطلق لخيارات اسرائيل في المنطقة ولم يروج كثيرا لفكرة الدولتين التي يتبناها بعض رؤساء امريكا (بشروط اسرائيلية).
يقابله بايدن إبن المنظومة الحزبية الثقيلة التي تتوارث الجينات السياسية وتمتلك الأدوات التقليدية في الإدارة الاقتصادية والعلاقات الخارجية.
بايدن ينتمي للمدرسة التي تؤمن ببعض (المقاربات) حول صياغة مستقبل الشرق الأوسط والتي كانت دافعاً لموقف إدارة أوباما ودعمها المطلق لأحداث "الربيع العربي" دون الاكتراث بالمخزون التاريخي للصراعات ودور الإسلام السياسي المتطرف.
أما مواقفه تجاه النزاع العربي الاسرائيلي فإنه ونائبته لا يخالفان المنهج المتشدد في تأييد اسرائيل.
ولهذا عزيزي القارئ تجد نفسك في كل مرة متكئاً على همومك المحلية والإقليمية وواقفاً أمام لوحة أمريكية ثابتة في بنائها الفني مع تباين بعض الألوان التي لا يضعها الناخب الأمريكي في معايير اختياراته حيث لا تؤرقه كثيراً سياسة بلده الخارجية، لا بحربها الباردة مع الكرملين أو التجارية مع الصين أو حتى تواجدها العسكري في ١٥٠ بلد.
إذن نظرة النخب العربية للانتخابات الامريكية تنطلق في الأساس من اشكالية داخلية لا علاقة لها بالتفضيل الحقيقي لمواصفات شخص الرئيس المنتخب، ففي حين ترى النخب الغربية بأن نجاح بايدن سيعيد الاعتبار للهوية الثقافية الأمريكية هلل بعض العرب بقدومه ليسقط (لهم) بعض الأنظمة ويعيد الإخوان إلى سيرة الربيع الأولى.
ومع أن الحزب الديمقراطي بإعلامه ومنصاته لا يخفي سياساته تجاه بعض الانظمة العربية والضغط عليها من زاوية حقوق الإنسان ودعم التنمية الديمقراطية، لكنها أصبحت بعد دروس ٢٠١١م وما بعده، سياسات مجربة تستطيع معها بعض الانظمة بعد التجربة المرة أن تخرج من دائرة المعادلات التقليدية في العلاقات العربية الأمريكية وتفتح حواراً حقيقياً وشجاعاً، فالديمقراطية لن تأتي إلّا من الداخل وفي عملية تاريخية وليست رغبة خارجية يركب على صهوتها الباحثون عن امبراطورياتهم المفقودة.
ترامب أم بايدن.. ليس سؤال عربي محض ولا رغبة في التوظيف من أجل مستقبل المنطقة وازدهارها بل لجوء مقرف للاستقواء بالغول ليضع قواعد النزاع بين الضواري المتنافسة على فرائسها مقابل وكالات تجدد عهد الغساسنة والمناذرة بنسختها العربية الإسلامية الحديثة، إلى أن تهرس أقدام الفيلة رأس اللائذ بسيده الخارجي وإن كان "ابن ماء السماء" ويأتي زمن من بعده يمتلئ فيه الفراغ الرهيب ليس في كرسي الحكم ولكن في عقل الإنسان العربي.