عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب:
السعودية: لا للإرهاب ولا للتطرف
الإرهاب هو الخطوة الأخيرة التي يتجرأ فيها المتطرف على وضع تطرفه موضع التنفيذ وتحويل التنظير إلى التنفيذ، والإرهاب هو اللحظة التي يضغط فيها المتطرف على زناد بندقيته أو صاعق قنبلته، والتطرف هو كل ما يسبق ذلك من تجنيد وغسل دماغ وتحريض وتدريب وتهييج حتى يصبح جاهزاً ليصير إرهابياً خالصاً.
تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الأسبوع الماضي، في كلمته بمجلس الشورى عن المهمة الكبرى في مواجهة التطرف ونشر الاعتدال، كما تحدث ولي عهده الأمير محمد بن سلمان عن نفس الهدف والغاية، وأكد أن الدولة استطاعت في عامٍ واحدٍ أن تقضي على ما بناه التطرف في أربعين سنة، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء السعودية فتوى تحذر فيها من جماعة «الإخوان المسلمين»، وخطرها الكبير على الإسلام والمسلمين وعلى العالم أجمع.
السعودية الجديدة هي دولة جادة كل الجدّ في مواجهة التطرف من جذوره وليس الخطوة الأخيرة منه الممثلة بالإرهاب فحسب، وهذه العودة لجذور الإرهاب كانت نتيجتها الظاهرة للجميع انحسار عمليات الإرهاب في السعودية إلى الصفر تقريباً، ولا تجد الدولة أي غضاضة في الاعتراف بالمشكلات التي كانت قائمة، ووضع الخطط والحلول للتخلص منها. نجح هذا في مواجهة الإرهاب ومحاربة الفساد ورفض إدمان النفط اقتصادياً، وفي جميع الملفات الأخرى.
بالقضاء على الإرهاب ومحاربة التطرف، أخذت السعودية على عاتقها تخليص العالم من الإرهاب والتطرف، وبصفتها قائدة العالم الإسلامي ومهبط الوحي ومأرز الإيمان فقد كانت مواجهتها لجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني حاسمة ومؤثرة، وهي بقوتها الأمنية قضت عليه في الداخل، وبقوتها السياسية صنعت التحالفات لمواجهته في المنطقة سواء كان سنياً أم شيعياً، وما سياسة التقارب مع العراق وما حرب الحوثي في اليمن إلا جزء من هذه الصورة الكبرى، وها هي تقود محاربة هذه التطرف روحياً ودولياً عبر فتوى هيئة كبار العلماء التي فضحت جماعة «الإخوان المسلمين»، وبينت خطرها على الإسلام والمسلمين وعلى العالم أجمع.
منذ تصنيف السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة والدولة المصرية وعدد من الدول عربية وغير عربية اتجهت جماعة «الإخوان»، ومعها جماعات الإسلام السياسي، إلى استخدام ما استثمرت فيه طويلاً في الدول الأوروبية، حيث ظلَّت الجماعة تحتفظ منذ زمن طويل بعلاقاتٍ ودية مع تلك الدول، وكانت أوروبا تحمي الجماعة والجماعات المنبثقة عنها من أي سعي جادٍ للقضاء عليها من قبل الدول العربية لمصالح مشتركة بين الطرفين، «الإخوان» وأوروبا، ضد الدول العربية والمسلمة.
لقد أدَّت الدول العربية القائدة والرائدة ما عليها في فضح خطر هذه الجماعات الداهم على الإسلام والمسلمين دولاً ومجتمعاتٍ، ولكن أوروبا لم تفعل بعد، وما تشهده الدول الأوروبية اليوم من انتعاشٍ للإرهاب وعملياته وجرائمه هو جراء التخاذل عن اتخاذ مواقف صريحة وقوية ضد هذه الجماعات الخطيرة وإيوائها وتقديم الدعم المتواصل لها.
الحملة الإخوانية الشرسة التي قادتها جماعات الإسلام السياسي قبل أسابيع قليلة ضد فرنسا، ودعمتها بشكل كامل تركيا وقطر، أدت بشكل طبيعي إلى ما تشهده الدول الأوروبية من إرهاب، وإطلاق نارٍ في فيينا عاصمة النمسا، واستهداف للسفارة السعودية في لاهاي، وهجمات في كندا، وحذر عالٍ في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، وما ذاك كله إلا لأن تلك الدول لم تضع يدها بعد على أصل الداء وجذور الإرهاب المتمثل في الجماعات الأصولية من تنظيمات الإسلام السياسي بشتى تسمياتها.
ثمة فرصة تاريخية للتخلص من داء الإرهاب والأصولية في العالم بعد دخول السعودية بكل قوتها الروحية والسياسية والاقتصادية على خط المواجهة، فيما لو فهم العالم والحلفاء الغربيون تحديداً أهمية هذه الفرصة التاريخية، وما يمكن أن تنشره من سلامٍ وتسامحٍ واعتدالٍ يجنّب العالم كثيراً من الشرور.
بدأت فرنسا تتحدث عن مفاهيم جماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسي، وشرعت في المواجهة، وقامت النمسا بتصنيف «الإسلام السياسي» جريمة يعاقب عليها القانون، وثمة تحركات بهذا الاتجاه في عدد من الدول الأوروبية الأخرى، ولن ينتهي الدور الأوروبي الخطير في حماية ودعم الإرهاب، إلا حين تصبح دوله قادرة على الإعلان عن فهمٍ عميقٍ وتوصيف دقيق وقراراتٍ حاسمة لهذه الظاهرة.
تنظيم «داعش» الوارث لجماعة «الإخوان» وكل الجماعات المتفرعة عنها وصولاً لتنظيم «القاعدة» كانت الغالبية العظمى من مقاتليه تأتي من الدول الأوروبية لا من الدول العربية، والدعم المعنوي والمالي والتدريبي له يأتي من أوروبا والنظام الإيراني وتركيا وقطر في تفاصيل وأرقام لا تحصى، ولن ينتهي الإرهاب في أوروبا ما لم تغيّر من سياساتها القديمة وتُعِد قراءة المشهد الدولي من جديد.
خطر الإسلام السياسي وجماعاته ورموزه، وخطابه وآيديولوجياته، هو خطرٌ سياسي بالدرجة الأولى، لا على الدول العربية والمسلمة وحدها بل على العالم بأسره، والتحالف الطويل بين هذه الجماعات واليسار العالمي هو ما يحجب رؤية كثيرٍ من قادة السياسة والرأي العام عن استيعاب خطر هذه الجماعات فضلاً عن مواجهتها.
قبل عقدٍ من الزمان، وحين دعمت إدارة أوباما هذه الجماعات وانتشر الخراب والإرهاب في عددٍ من الدول العربية، فيما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» قامت سوقٌ واسعة لدى شرائح من المثقفين والكتاب لدعم الإسلام السياسي والدفاع عنه تحت تسميات الحقوق والحرية والمدنية، ما أبان عن جهلٍ فاضحٍ ووعي بائسٍ لم يكن على حجم الخطر التاريخي ولا حجم المسؤولية الأخلاقية والمعرفية.
السعودية حين تخلصت من شرّ هذه الجماعات وطهّرت أرضها منها أصبحت هدفاً لكل جماعاتها وتنظيماتها والدول الداعمة لها، وهو ما بدأ بالفعل في الهجوم على سفارتها في هولندا، وسيعقب هذا هجومٌ إخواني منظمٌ ضدها وضد هيئة كبار العلماء فيها، لأن المعركة بين السعودية ومن معها من الدول والشعوب العربية والإسلامية، وجماعات الإسلام السياسي، معركة طويلة ومستحقة ولا تقبل أنصاف الحلول.
أخيراً، فاليسار الجديد أو اليسار الليبرالي لا يقل خطراً عن الإسلام السياسي، فالتحالف العميق بين الطرفين يجعل من الصعوبة بمكانٍ مواجهة أحدهما دون الآخر، وفي الدول العربية ثمة طبقة من هذا اليسار متمكنة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، والمعركة طويلة.