فاروق يوسف يكتب:
تسوية إيرانية إسرائيلية هل هي ممكنة؟
الشرق الأوسط في حالة غليان. ربما تقع الحرب في أية لحظة. هناك خوف من خطأ إيراني يمكن أن يجر إلى حرب مدمرة. أن ترتكب إيران ذلك الخطأ فذلك معناه دعوة الأطراف الأخرى إلى ارتكاب أخطاء سيكون التراجع عنها أمرا صعبا.
غير أن المفاجئ في الأمر أن إيران نفسها بدت منضبطة أكثر مما هو متوقع. بل أنها كما يبدو الزمت أذرعها في المنطقة بحالة صارمة من الانضباط. فبالرغم من الصوت المتشدد في الدعوة إلى الانتقام والسائد في طهران بعد اغتيال العالم النووي والضابط رفيع المستوى في الحرس الثوري محسن فخري زاده فإن هناك شعورا بإن النظام الإيراني لا يرغب في أن يضع بيد ادارة الرئيس الأميركي المغادر دونالد ترامب سببا لشن حرب، من المؤكد أن نتائجها ستكون ضارة به.
كان توقيت القيام بعملية الاغتيال ذكيا بطريقة تكشف عن عمق ودقة التخطيط لها. فبعد أن أكدت التسريبات أن إدارة الرئيس ترامب قد تراجعت عن ضرب إيران في اللحظات الأخيرة صار من الجنون أن يتم استفزاز الولايات المتحدة بعمل انتقامي طائش لا يضر بالولايات المتحدة ولكنه سيضعها في مواجهة تحد، كانت قد انتظرته زمنا طويلا.
هذا من وجهة ومن جهة أخرى فإن إيران التي سبق لها وأن عبرت عن قناعتها بأن المفاوضات ممكنة مع إدارة الرئيس بايدن وأنها يمكن أن تقدم تنازلات في ظل رغبة أميركية في رفع العقوبات تدرك أن ترامب قد أعد خطة من أجل صنع وضع معقد لا يمكن للإدارة الاميركية الجديدة أن تمضي معه إلى التراجع عن العقوبات.
لذلك فإنها بالرغم من فجيعتها بمقتل فخري زاده التي لا تقل أثرا عن مقتل سليماني لن تسمح بتبديد أحلامها في الخروج من أزمتها. اضافة إلى أنها في هذا الوقت الانتقالي الضيق لن تتمكن من عقد صفقة شبيهة بتلك الصفقة التي تلت مقتل قاسم سليماني. ليس هناك مَن تتفاوض معه من أجل أن تقوم بضربة صورية تسترد من خلالها شيئا من كرامتها المهدورة.
في تلك الحالة ستفضل السكوت وضبط النفس. وهو ما فعلته أذرعها. لم يصدر تهديد بالانتقام من حزب الله أو الحوثيين أو الميليشيات العراقية. لقد صمت الجميع لأن الأوامر لم تصدر من طهران.
لكن ماذا لو كانت إيران تبحث عن التهدئة مع إسرائيل وهي في صدد الطلب من روسيا لكي تقوم بدور الوسيط بين الطرفين؟
ذلك مجرد تكهن يفرضه على إيران واقع حال يمكن التعريف بتفاصيله على النحو التالي.
إسرائيل لا تثق بإيران وهي قادرة على إلحاق الأذى بها عن بعد مثلما تملك القدرة على تدمير أجزاء حيوية من قدراتها الهجومية قبل أن تفكر في استعمالها. وفي ذلك يعترف الإيرانيون بالتفوق الإسرائيلي الذي يسعون إلى اختراقه.
في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الكثير من الأسرار التي لا يمكن تفكيكها وهي أسرار لا تخص إدارة أميركية بعينها ولا تنحصر بها بل هي أشبه بالمبادئ التي لا يمكن الخروج عنها.
ومن الصعب في هذا المجال معرفة مَن يؤثر على الآخر ومَن في إمكانه أن يضغط على الآخر. غير أن اللافت في الأمر أن الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل ثابت بغض النظر عن تغير الإدارة، جمهورية كانت أم ديمقراطية.
في النهاية فإن إيران تدرك أن علاقتها الجيدة مع الولايات المتحدة لن تؤثر على إسرائيل أما علاقتها بإسرائيل حتى وإن كانت تحت الطاولة ستكون بمثابة عنصر حسم في مواقف الولايات المتحدة.
وكما أتوقع فإن ما أبدته إسرائيل من استعدادات لأي محاولة إيرانية للانتقام هو نوع من التمارين المسبقة التي ستزيد التوتر على الجانب الإيراني وهو توتر سيدفع إلى إحداث تغير جوهري قد يؤدي إلى التماس الوساطة الروسية والبحث عن صيغة لتفسيرها.
ولكن هل ستكون التسوية مع إيران مقبولة بالنسبة لإسرائيل في ظل الظروف الحالية؟ ذلك ما يمكن الحكم عليه بالنفي. فالعلاقات العلنية وهو شرط إسرائيلي تفرض أن تقوم إيران بإعادة النظر في وجودها في المنطقة وبالأخص على مستوى أذرعها التي يشكل حزب الله الجزء الأكثر تهديدا لأمن إسرائيل منها. وما لم تكف إيران عن تمويل ودعم تلك الميليشيا فإن الوضع سيستمر على ما هو عليه.
لن تنجح إيران في اقناع إسرائيل بجدوى العلاقة معها. فإسرائيل تدرك حقيقة ما تخطط إيران له على مستوى احداث تغيير في المنطقة بطريقة تضمن لها التفوق. تلك نقطة تنسف أية محاولة للتسوية بغض النظر عن التنازلات التي تقدمها إيران.
ولكن المحاولة في ذلك الاتجاه هي خطوة قد تستعيد إيران من خلالها ثقة أطراف عديدة.