فاروق يوسف يكتب:
إيران وتركيا تعاديان العرب عن طريق الإسلام السياسي
ما لم يكن العالم العربي مستعدا له وجاهزا للتعامل معه أن يقع بين أطماع دولتين سلاحهما الإسلام السياسي بكل جماعاته وتنظيماته ومصارفه وأحزابه وسلاحه وكتبه وفتاواه ودكاكينه.
تركيا وإيران. فرضتهما الجغرافيا ولم يكن متوقعا أن يتخلى الإسلام عن صفته التاريخية كونه عاملا يجمع بهما ليتحول إلى عامل فرقة يقف معهما في مشروعيهما السياسيين، حيث تسعى كل واحدة منهما إلى استعادة أيامها الخوالي على حساب الشعوب العربية.
هناك لغة احتكار لإسلام من نوع مختلف هي التي صارت معتمدة من قبلهما. ذلك هو الإسلام الذي صار يعبر عن نفسه بلغة السلاح ويزين وجوده بمرويات تدعو إلى العنف وممارسة القتل في حق المسلم المختلف قبل الآخر المختلف.
مظهريا فإن إيران صارت تتحدث باسم الإسلام الشيعي وفي المقابل صارت تركيا تلعب دور الممثل الرسمي للإسلام السني. ولكن واقعيا فإن الدولتين تديران ميليشيات مسلحة هي المسؤولة عن نشر وحماية مشروعيهما السياسيين على الأرض وهما مشروعان استعماريان بكل ما تحمله الكلمة من معان. فليست إيران وحدها تسعى إلى التمدد على الأراضي العربية وتخلق لها أذرعا تواليها وترعى مصالحها في هذا البلد العربي أو ذاك. تركيا هي الأخرى تقوم بذلك وإن اختلفت الواجهة.
لننظر جيدا إلى اتفاقها مع روسيا في ما يتعلق بشمال سوريا كما علينا أن لا نستهين بمعاهداتها التي عقدتها مع حكومة الوفاق بليبيا.
هناك اختلاف بين الدولتين في التقنيات.
تركيا تعتمد على حشود من المرتزقة فيما تؤلف إيران ميليشيات طائفية هي أشبه بالجيوش تكون بمثابة قوة احتلال محلية. وفي الحالين فإن الإسلام هو الشعار وهو الهدف الذي تم التلاعب به بحيث انتهى إلى أن يكون حركة سياسية خالصة.
وبغض النظر عن الاختلافات المذهبية بين إيران الشيعية وتركيا السنية فإن الهدف يظل واحدا والعدو واحد. هناك خارطة وضعتها الدولتان على الطاولة وهما تعملان بحذر من أجل ألا تصطدم مصالحهما. وهما في العمق يتبادلان خدمات لا علاقة لها بالتوجه المذهبي. يوما ما كانت حركة حماس وهي التي تتبع جماعة الإخوان المسلمين السنية تحظى برعاية إيران وتمويلها.
لم يعد خافيا أن الدولتين تستعملان الإسلام في خدمة سياستيهما القومية. هناك نزعة فارسية تقابلها نزعة عثمانية. وهما تسعيان إلى حذف القرن العشرين من الأجندة السياسية العالمية. يكرهان أن يعترفا بأن هناك ظاهرة اسمها القومية العربية استطاعت أن تشكل عالما خاصا بها على أرضها التاريخية وتقيم دولا هي جزء من المنظومة العالمية.
تركيا وإيران لا تعترفان في حقيقتهما بكيان اسمه العالم العربي. لقد كانا مجبرين في العقود الماضية على التعامل على مضض مع دول عربية قوية أما اليوم وقد وضعا الإسلام في خدمتهما فإنهما لم تعودا في حاجة إلى أن تمارسا نوعا مما يمكن تسميته بالنفاق السياسي.
صارت الحرب على العروبة إسلامية في ظل الإسلام السياسي.
تقف مع تركيا جماعة الإخوان المسلمين بكل أجنحتها وتقف مع إيران كل الميليشيات التي حظيت بمباركة مرجعية النجف.
واقعيا فإن الإسلام السياسي قد تلقى ضربات قوية من قبل دول عربية لا تزال قادرة على التحكم بقرارها السيادي. يمكننا هنا أن نذكر مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة. وكان مؤثرا في مجال آخر قرار مقاطعة البضائع التركية.
شيء غريب أن يقترن الإسلام السياسي بمقاطعة البضائع التركية. ولكنها الحقيقة التي تفرض نفسها بقوة. ذلك لأن الإسلام كما سوقوه كان بضاعة تركية. لقد توج أردوغان أميرا للمؤمنين في حين أنه كان يرعى صفقات اقتصادية تقوي من قدرته على البقاء في السلطة.
كان هناك موقف عربي متأخر ضد الإسلام السياسي وبالأخص في ما يتعلق بسوريا. أنا على يقين من أن هناك ندما حقيقيا في مواجهة الحقيقة السورية. وهو ندم إشكالي. ذلك لأنه لن يؤدي إلى نتائج نافعة.
لقد انجزت تركيا أهدافها في سوريا مثلما أنجزت إيران أهدافها في العراق. أكملت تركيا عبثها في ليبيا مثلما أكملت إيران عبثها في اليمن.
وفي الخلاصة يمكننا القول إن العالم العربي فُجع بمواجهة لم يكن يتوقعها. أن يكون الإسلام بصيغته السياسية خصمه. وهو اكتشاف متأخر وذلك ما يُضفي على الشعور بالفجيعة ألما أشد. فالمواجهة مع إيران وتركيا كانت مفتوحة عبر التاريخ المعاصر غير أنها لم تشتبك مع حركات الإسلام السياسي إلا في العقود الأخيرة. وهي العقود التي شهد فيها العالم العربي تراجعا على المستويات كافة.