محمد عبدالله القادري يكتب لـ(اليوم الثامن):
الصراع واضعاف القبيلة والدولة وتأثيره على الداخل والجوار "20"
عندما أتحدث عن القبيلة فأنا أتحدث عن المجتمع اليمني بأكمله ، فاليمن كله قبائل وجميعها تشكل الشعب ، والصراع الداخلي يضعف القبيلة والدولة ، واضعافه للقبيلة يتمثل من خلال استخدامها في الوقوف مع أدوات صراع بما يضعف الدولة والقبيلة في آن واحد ويجعلهما يسقطان معاً كالذي حدث من خلال قيام الانقلاب الحوثي على الدولة الذي كان إسقاط للدولة اليمنية وللقبائل اليمنية أيضاً .
قبل أن أتطرق لأسباب الصراع الداخلي في اليمن في فترة ما بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر ونوعيته وتأثيره على الداخل اليمني والجوار العربي والحلول المطلوبة ، اتحدث بشكل سريع عن الصراع الذي حدث في اليمن بشماله وجنوبه من بعد تلك الثورتين ولا زال قائماً حتى اليوم ، هو ما يؤكد ان اليمن لم تستقر عشر سنوات بدون صراع سواءً في الشمال أو في الجنوب أو بعد الوحدة ، وهذا ما يلفت لتصور أن الجمهورية والوحدة والانفصال ليست حلاً جذرياً للقضاء على الصراع ، وعودة اليمن الشمالي لما قبل الجمهورية وعودة الجنوب لما قبل ثورة أكتوبر لن يقضي على صراع وان كانت تلك العودة سببها الصراع الداخلي اليمني الذي حصل بعد الثورتين وبعد الوحدة ، وهو ما يتطلب حل جديد بشكل مناسب يقضي على الصراع جذرياً من خلال نظام حكم أو القضاء على أدوات الصراع.
بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر كان المفروض أن ينتقل اليمن بشماله وجنوبه إلى مرحلة إستقرار داخلي مثل غالبية البلدان التي تقوم فيها الثورات ، ولكن ما حدث كان العكس مما يدلل ان الانتقال لم يكن بالشكل المناسب والسبب يعود لنوعية نظام الحكم والتيارات الفكرية التي ظهرت بعد تلك الثورات.
اليمن الشمالي انتقل بعد الثورة إلى مرحلة صراع داخلي في الصف الجمهوري بين التيار الناصري وتيار الاخوان ونتج عنه انقلابات واحداث نابعة من داخل الشمال ومن الجنوب اليمني المجاور ، بدأت بالانقلاب على السلال ثم على الارياني ثم على الحمدي ثم على الغشمي ثم محاولة الانقلاب على صالح وكان آخرها أحداث المناطق الوسطى في الشمال عبر الجبهات التي كانت مدعومة من الجنوب ، وهذه الاحداث تؤكد ان اليمن الشمالي لم يشهد فترة استقرار عشر سنوات منذ قيام ثورة سبتمبر حتى الوحدة.
اليمن الجنوبي كذلك انتقل بعد تحقيق الجلاء في عام 1967 إلى مرحلة صراع داخلي عبر انقلابات واحداث مواجهة ولم يشهد فترة استقرار لمدة عشر سنوات منذ تحقيق الجلاء حتى قيام الوحدة في عام 1990.
بعد تحقيق الوحدة كان المفروض ان تنتقل اليمن شمالاً وجنوباً لمرحلة استقرار دائمة وانطلاقة كبيرة في كل المجالات أسوةً بالبلدان التي توحدت وكان توحدها عائداً بشكل ايجابي كبير ولم ينتج بعده أي صراع داخلي ، ولكن ما حدث كان العكس ، إذ انتقلت اليمن لمرحلة صراع داخلي بين الشمال والجنوب ونتج عنه حرب 94 بعد اربع سنوات من الوحدة ، وبعد هذه الحرب بست سنوات انتقلت اليمن لمرحلة صراع عام داخل الشمال والجنوب كان سببه الخلاف بين صالح وحزب الاصلاح الذي جعل الاخير يشكل تحالفاً مع الاحزاب الاخرى يسمى اللقاء المشترك وبعدها قامت ست حروب في صعدة سببها التمرد الحوثي بالاضافة لظهور الحراك الجنوبي في الجنوب داعياً للانفصال ، وكان آخر الاحداث ما تسمى بثورة الشباب عام 2011 الناتجة عن موجة الربيع العربي ، وكل هذه الأحداث توضح ان اليمن بشماله وجنوبه لم يشهد فترة استقرار عشر سنوات بدون صراع منذ قيام الوحدة حتى عام 2011.
هذا الصراع شكل تأثير سلبي داخلي على اليمن وجعل اليمن أيضاً يشكل تأثير سلبي نحو الجوار.
الجنوب كان يشكل خطراً على الجوار قبل الوحدة وكذلك الشمال من خلال وجود الاطراف صاحبة العداء الفكري والتابعة لمشاريع من خارج اليمن والجزيرة العربية.
بعد الوحدة كان اجتماع تلك الاطراف بطريقة تشكل خطراً على الداخل اليمني اقتصادياً وعلى الجوار العربي سياسياً من خلال عدم ايجاد مشروع دولة قوي و اتخاذ سياسة جعلت اليمن أداة تقف مع صراع عربي داخلي وكان الأولى ان تقف بموقف الوسط عبر الدعوة لتصالح أو الابتعاد وعدم التدخل .
سبب هذا الصراع هو نوعية نظام الحكم والاحزاب .
نظام جهورية الشمال والجنوب لم تقضي على الصراع ، والتعددية السياسية التي اظهرتها الوحدة لم يكن وجودها سبباً لعدم وجود أي صراع بل كانت الاحزاب هي سبب الصراع.
بقاء هذا الصراع الداخلي في اليمن بقدر ما يشكل خطراً على الداخل اليمني يشكل خطر ايضاً على الجوار العربي ، فالمشاريع الخارجية المعادية للجوار العربي لن تستطيع ان تجد لها مكان في أي بلد إلا اذا كان يعاني من صراع داخلي ، واليمن بهذا الصراع ستكون بيئة مناسبة لتغلغل تلك المشاريع وانقلاب الحوثي خير دليل.
الحلول الجذرية للقضاء على هذا الصراع يجب ان تكون بشكل يقضي عليه بشكل تام مما يفيد اليمن داخلياً ونحو الجوار ، وبقاء أي صراع في اليمن معناه بقاء الخطر المشترك تأثيره على الطرفين .
الانفصال لن يقضي على الصراع ، وانما سيعود بالجنوب إلى الصراع الذي كان قبل الوحدة ، وكذلك الشمال .
بقاء الوحدة في ظل وجود احزاب الصراع سيجعل اليمن بنفس ذلك الصراع الذي حدث بعد الوحدة .
أسباب الصراع ثلاثة .
حزبي واذا كانت الاحزاب سبب الصراع فالأولى الغائها.
مذهبي ومحاربة هذا الصراع تتم من خلال محاربة المذهبية بشكل عام.مناطقي وممكن القضاء على هذا الصراع من خلال نظام حكم اقاليم ، ولكن لن ينجح هذا النظام في ظل وجود صراع مناطقي وحزبي ، كونه إذا قضى على الصراع المناطقي سيحل محله الصراع الحزبي .
الحل المناسب في اليمن ممكن ان يكون في نظام حكم اتحادي اقاليم يقسم اليمن على شكل مناطقي لا تقاسم حزبي ، وان لم يكن هذا الحل فليس هناك من حل سوى حاكم قوي لديه نظام حكم كنظام الحجاج بن يوسف الثقفي.
الصراع الذي يدور حالياً في المناطق المحررة بالشمال والجنوب بين الاطراف المناهضة للحوثي والذي كان سبباً لضعف الدولة ومعاناة المواطن وعدم تقدم معركة التحرير ، هو صراع ناتج وممتد من ذلك الصراع الحزبي والمناطقي الذي كان يدور في اليمن شماله وجنوبه بعد ثورتي سبتمبر واكتوبر وبعد الوحدة حتى قيام الانقلاب الحوثي عام 2014 والذي لو لم يكن هناك ذاك الصراع لما قام ذاك الانقلاب الذي أراد أن يعود باليمن لما قبل الثورتين وليس لما قبل الوحدة فقط.