فاروق يوسف يكتب:
الفرصة التي خسرها الفلسطينيون هل يمكن استعادتها؟
قبل التطبيع كان هناك مشروع سلام أميركي لم تستطع القيادة السياسية الفلسطينية التعامل معه بطريقة جادة. لا لشيء إلا لأنها لم تجد فيه أي شيء جديد على مستوى مكاسب الشعب الفلسطيني.
ما أشيع يومها أن المطلوب من القيادة الفلسطينية أن تقدم المزيد من التنازلات على حساب الحق الفلسطيني من غير أن تتراجع إسرائيل عن خططها في التوسع والاستيطان والضم.
لم يكن في إمكان محمود عباس أو سواه إذا كان الأمر كذلك أن يوافق على ما طرحه الاميركان وكان هناك ايحاء بإن الطرف الإسرائيلي كان قد وافق على ذلك المشروع.
واقعيا فإن ما سُميت بصفقة القرن لم تخرج إلى العلن إلا على شكل تسريبات غير مؤكدة من غير تفاصيل. تلك التفاصيل التي أطلع عليها الطرف الفلسطيني ولم يُطلع عليها أحدا بالرغم من أن مقالات كثيرة كُتبت بالهام من الموقف الفلسطيني الرافض. ومن غير المؤكد أن أصحاب تلك المقالات قد أطلعوا على تفاصيل ذلك المشروع.
صفقة القرن ظلت غامضة. ما قيل وما كتب هنا وهناك لا يكفي لتفكيك ذلك الغموض. فالأميركان وهم أصحاب الخطة لم يصرحوا بشيء. كما أن الاسرائيليين تكتموا كعادتهم وبدوا كما لو أنهم غير مكترثين بالنتائج التي يمكن أن تنتهي إليها جهود الرئيس الأميركي وصهره.
الآن اتضحت الصورة أكثر.
من خلال التطبيع بدا الفلسطينيون كما لو أنهم غير معنيين بعلاقة العرب بإسرائيل وبدا العرب من وجهة نظر الفلسطينيين كما لو أنهم تجاوزوا العقدة الفلسطينية وصاروا يفكرون بمعزل عن ضغوطها.
هناك مَن يقول إن العرب تحرروا أخيرا من عبودية فكرة كانت تقف بينهم وبين الانتساب إلى العصر. وفي ذلك القول الكثير من التعميم والمغالطة.
غير أن ما حدث كان لابد أن يحدث. بل أنه حدث متأخرا.
ألم تدرك القيادة الفلسطينية يوم طرح الأميركان مشروعهم عليها أن ذلك المشروع سيقفز عليهم إن تكاسلوا ليعود بطريقة مختلفة وبقوة متعددة الرؤوس؟
في بادئ الأمر صُدمت القيادة الفلسطينية بالتطبيع كما لو أنها لم تكن تعرف. وذلك ما يمكن أن تتعرض للمساءلة بسببه. فمن غير المعقول أن يقع حدث يمكن اعتباره خارقا على المستوى التداولي للقضية الفلسطينية من غير أن تكون تلك القيادة على علم به. وبالأخص أن دولة الامارات العربية المتحدة لم تكن علاقتها بالقيادة الفلسطينية من النوع الهامشي.
كانت الصدمة مفتعلة وتُرك التعبير عنها في ما بعد لكتاب لا يملكون سوى العاطفة التي تطلق هتافات وليس لها أي اتصال بالحقيقة.
ما لا تحاول القيادة الفلسطينية أن تكون واضحة فيه هو سؤال من نوع "هل التطبيع جرى على حساب الحقوق الفلسطينية أم أنه سيخدم تلك الحقوق وسيكون سندا لها؟"
الموقف الفلسطيني في تلك النقطة غامض. لا يهم هنا الرفض أو القبول. ليس المطلوب من القيادة الفلسطينية أن توافق أو ترفض. بل المطلوب أن توضح. ما الذي خسره الشعب الفلسطيني وما الذي ربحه؟
صار التطبيع مع إسرائيل بالنسبة للدول العربية قدرا. تلك دول تريد أن تعيش حياة طبيعية. ذلك ما لا يتحمل جدلا من خلاله استعاد العرب قاموس لغة أثبتوا أنهم ليسوا أهلا لها. وهنا لا أريد أن أقول "لنكن واقعيين" بل أقول "لنفهم ما يجري من حولنا بناء على حقائقه لا على أوهامنا".
ما تشيعه إيران ومن خلفها حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية هو مجموعة من الأوهام التي تبقى معلقة بالهواء. وهي أكاذيب سياسية لا يُراد منها سوى الحاق الفلسطينيين بالمشروع الإيراني باعتبارهم دعاة مضللين ليس إلا. اما الحقيقة فإنها تكمن في ما يعرفه الفلسطينيون الذي يعيشون داخل إسرائيل والأرض المحتلة. وهو بالضبط ما تعرفه القيادة الفلسطينية.
كان يمكن أن يكون محمود عباس وهو الذي وقع اتفاق أوسلو رائد حل تاريخي من نوع خارق لو أنه تفاوض مع الأميركان من أجل قيام دولة فلسطينية. ولكنه تردد في أن يبني وطنا فخسر الفلسطينيون الفرصة.
هل خسر الفلسطينيون الفرصة؟
خسرت القيادة الفلسطينية فرصة أن تكون صانعة قرار تاريخي. سيكون عليها أن تفهم ما يجري من حولها وهي التي كان من الممكن أن تكون الجهة الفاعلة فيه.
الآن هناك الواقع الذي صار على تلك القيادة أن تتعامل معه.
لن يكون واقعا سيئا إذا ما استطاعت أن تتعامل مع الأيدي العربية الممدودة إليها بطريقة ايجابية. عليها أن تنصت إلى ما يقوله الآخرون لا إلى ما تكرره من كلام ليست قيمة لدى الأطراف الصراع.