محمد خلفان يكتب:

الانتخابات الأميركية والجدل العربي التقليدي

البعض من العرب يريد تصوير حالة الاشتباك بين مؤيدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبين الذين يناصرون الرئيس المنتخب جو بايدن وكأنه صراع بين شخصيتين. الأولى خيّرة، ستأتي لتحقيق الطموحات العربية وتعمل على حل كل الأزمات التي يواجهونها. والثانية شرّيرة، ليس لها هدف سوى تعطيل المشاريع العربية.

قبل الإسهاب في توضيح الفكرة أريد أن أؤكد أنه من حقنا كعرب، وخليجيين على وجه الخصوص، أن نشعر بالقلق من الوقوع مرة أخرى في أجندات باراك أوباما التي أثارت الفوضى ومازلنا نعاني من تداعياتها إلى اليوم، سواء في التمدد الإيراني والتركي أو في محاولات تيارات الإسلام السياسي السيطرة على الحكم. إلا أنه ينبغي ألا يصل بنا هذا القلق إلى درجة أن نشعر أنه بمجرد وصول بايدن إلى السلطة فإننا سنكون أمام مشهدين كارثيين. الأول، أن بايدن سيعيد تطبيق سياسة أوباما (السيئة السمعة) في المنطقة، وأن الدول العربية لن يكون بمقدورها إيقاف تلك الفوضى أو وضع حد لتهوّراته، وهذا أمر غير صحيح.

والمشهد الثاني، أنه بمجرد خروج ترامب من البيت الأبيض فإن الولايات المتحدة، الدول العظمى، ستشهد انهيارا داخليا يؤثر على الاستقرار الدولي وأن هذا المخطط موجود وينتظر يوم 20 من يناير للتطبيق، وبالتالي فإن وجود ترامب في السلطة هو من أجل الحفاظ على الوحدة الأميركية التي هي في الحقيقة مهمة لاستقرار العالم.

الشيء المؤسف أن هذين المشهدين ليسا مجرد خيال قد يعتقد البعض أنه من نسج الكاتب، بل هو طرح سياسي في قنوات فضائية عربية يقدمه البعض من المحللين ويتم تداوله في الشارع بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

هناك خلافات بين المفكرين العرب على مر التاريخ بين ما يمثله الديمقراطيون من مثالية سياسية، والجمهوريون الذين يحبّذون الواقعية السياسية. ولكن “الحماسة” العربية هذه المرة تذكّرنا باختلافاتنا العربية في عهد الخمسينات والستينات، واستمرت إلى فترة قريبة، حيث كانت البعض من القنوات التلفزيونية المثيرة للجدل تستضيف شخصيات عاصرت تلك الفترة واقتنعت بما كان يحدث فيها، لدرجة عجزت فيها عن إدراك حقيقة أن الشعوب العربية أصبح لديها وعيها ولا تقبل أن يملي عليها أحد أفكارها.

ومن أبرز صفات ذلك الخطاب، الذي يعيده علينا البعض بغلاف جديد، هو استخدام “الصوت العالي” لإثبات صحة الرأي. وهي ظاهرة تستطيع أن تشعر بها على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن غياب الكلام المسموع، فتجد الواحد لا يقبل أي فكرة تخالف الفكرة التي يطرحها.

ومن تلك الصفات أيضا الجزم في الطرح وأن هذه الانتخابات تعرضت للسرقة وأن نتائجها مزورة، رغم أن المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة تقول عكس ذلك. ويصل الأمر إلى إلغاء النظام المؤسسي هناك، مؤكدا أنه يمتلك معلومات من مصادره الخاصة، وبالتالي يعطي لنفسه الحق بأن يلغي حتى وجود انتخابات نزيهة، دون أي احترام لشرعية الصندوق التي أخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

نعم هناك مخاوف وقلق من عودة الديمقراطيين، خاصة بايدن الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس في عهد أوباما ويعتبر مهندس سياساته، ولكن هذا لا يعني أن الأمر سيكون سهلا أمام تكرار تجربة أوباما. لذا ينبغي أن نعطي الحدث الأميركي حجمه الطبيعي باعتباره متغيرا داخليا، حتى وإن كانت تأثيراته دولية. تبقى الثوابت كما هي. هناك دستور أميركي يحكم هذه العلاقة، وبالتالي ليس من السهولة التلاعب به، وهناك الوحدة الأميركية التي هي أحد أهم عوامل قيادة الولايات المتحدة للعالم. وليس بالأمر اليسير أن ينهار كل ذلك بمجرد وصول رئيس يحمل أفكارا مختلفة.

كثيرون اشتهوا هذه اللحظة الخلافية على المستوى الأميركي والعالمي لتخريب كل القصص الناجحة في العالم، وتمنوا أن يأتي اليوم الذي “تتصدّع” فيه الولايات المتحدة مجتمعيا وسياسيا، إما لمصالح استراتيجية كما هو الأمر مع الصين وروسيا، أو لأهواء فكرية من الذين لا يستسيغون التجربة الأميركية.

المشكلة أن هذا “التصدّع” يحدث اليوم بين العرب، من معجبي التجربة الأميركية، غير مدركين أن “عناد” ترامب ليس في صالح أحد بل هو عامل مساعد فقط على تدمير صورة الولايات المتحدة، الدولة العظمى المرسومة في أذهاننا.