تاج الدين عبد الحق يكتب:

الكورونا فاصل ونواصل

ثمة إجماع بين سكان المعمورة على أن عام 2020، هو العام الأسوأ، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. صحيح أن هناك دولًا وشعوبًا عانت بين الزمنين أوضاعًا أصعب، وشهدت حروبًا ومجاعاتٍ ونكباتٍ أقسى، لكنها المرة الأولى التي يتوحد فيها البشر، على اختلاف مشاربهم وألوانهم وأجناسهم، بمعاناةٍ واحدةٍ لا تفرّق بين الشمال والجنوب ولا بين الغني والفقير، ولا بين الصغير والكبير.

ولذلك، فإننا نعيش الآن فترة يتعجل فيها الجميع انصراف العام، ويتفقون في لعن أيامه ولياليه، وكأن الكوارث التي شهدناها فيه من صنعه وبسببه، متجاهلين القول المأثور: ”نعيب زماننا والعيب فينا ”!

ويبدو أن العام المشؤوم ، أبى أن يكتفي بما حصده من الأرواح، وما خلّفه من أحزانٍ إنسانيةٍ، وكوارث اقتصاديةٍ، وتداعياتٍ اجتماعيةٍ نحتاج سنوات للملمة آثارها وتجاوز جراحها .

أبى أن يرحل، دون أن يترك جيلًا جديدًا من الفيروس القاتل، يطيل أمد صراع البشرية مع المرض، ويزيد من معاناة العالم، المثقل بكوارث من كل نوع، والمثخن بجراح مفتوحة دون علاج.

ومع الأمل بأن يكون العالم فهِم الدرس، واستفاد من التجربة، فإن أبرز صفحات ذلك الدرس، وأعمق فصول تلك التجربة، الإقرار بأن لا فرصة أمام كارثة عالمية كتلك التي واجهها العالم خلال انتشار وباء كورونا، إلا التضامن والتعاون لتجاوز المحنة ومعالجة ما خلفته من آثار.

وقد وجدنا تجسيدًا لذلك، في الأشهر الأولى من العام حين ضاعت فرص ثمينة، وجهود كثيرة، وموارد كبيرة، في تبادل الاتهامات والتنصل من المسؤوليات؛ ليدرك العالم في نهاية المطاف أنه أمام تحدّ واحدٍ، لايمكن مواجهته إلا بتضامن عالمي، وتعاون وثيق يترفع فيه عن الحسابات الضيقة والمنافسة التقليدية بين شرق وغرب وبين شمال وجنوب .

ومع أن التعاون لإنتاج اللقاح المقاوم للوباء قد نجح ببث الأمل في النفوس التي أتعبها الوباء، إلا أن الواضح الآن وبعد أن دخلنا ما يمكن أن يكون الفصل الأخير من المعركة ضد الجائحة، أننا لا زلنا بعيدين عن الانتصار في الحرب. إذ يبدو أننا نرجع من المعركة الصغرى للحرب الكبرى التي نبدأ فيها بحصر ما لحق بمقدرات العالم من خسائر، وما أحدثه الوباء من دمار، وما خلفه من كوارث .

والنجاح النسبي في ردة الفعل العالمية على الكورونا، لن يكون كافيا للانتصار في الحرب على كل الآثار التي خلّفها الوباء، وقد نكون بحاجة لتضامن وتعاون أوثق، باعتبار أن ما يواجهه العالم في مرحلة ما بعد الكورونا، أكثر تعقيدا من الوباء نفسه، وقد يحمل مخاطر في حال التلكؤ في التعامل مع نتائجه؛ ما يمكن أن يكون أكثر خطورة، وأكثر صعوبة.

ولأن وباء كورنا هو حد فاصل بين زمنين، فإن ما نجح فيه العالم حتى الآن، قد لا يكفي لتنفيس الاحتقانات الكثيرة التي خلفها الوباء والتي قد تنفجر دون أن ندرى، إذا كنا نملك فرصة لتدارك ما يترتب على ذلك من آثار ونتائج، وما يحمله من مخاطر .