عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الأحزاب اليمنية وانهيار منظومة القيم السياسية والأخلاقية

قدمت الأحزاب اليمنية نفسها للمواطن اليمني ، في صراعها مع السلطة الحاكمة ؛ لتقاسم السلطة والثروة ، بأنها صاحبة المشروع الوطني المشترك، الجامع لأسس الديمقراطية والتنمية ، والبرنامج الوطني الحاضن للجميع ، والهادف للنهوض باليمن ، بمشاركة كل أبنائه دون تمييز حزبي أو مناطقي أو مذهبي بيد أن الأحداث الأخيرة عرت الأحزاب اليمنية ، وجعلتها في مواجهة الشعب وجها لوجه ، وأسقطت عنها أوراق التوت، وجعلتها دون حائط صد، يقيها من كشف أوراقها ونظرتها للسلطة ، واختبار مصداقيتها في تجسيد شعاراتها الرنانة ، التي كانت ترفعها في وجه السلطة الحاكمة ، وتسوق لها لدى الجماهير .
تعاملت الأحزاب اليمنية مع تقاسم السلطة ، وفق مبدأ الاستحواذ ؛  أي غنيمة الدولة لا استردادها ، وابتعدت كثيرا عن نظرية المشاركة في القرار ، التي ظلت تروج لها عقودا من الزمن ، حتى في أحلك الظروف ، بعد انقلاب الحوثيين واستيلائهم على السلطة بقوة السلاح ، والأحزاب تتعامل مع المشهد بعقلية السيطرة والإقصاء للغير  ، والسباق المحموم في السيطرة على مفاصل الدولة ، لم يوحدها خصم مشترك، يتربص بالجميع ، فذهبت لغرس نفوذها داخل مؤسسات الدولة ، خالقة صراعا جانبيا بينيا ، ملقية بإخفاقها على الآخر ، وهكذا أصبح كل حزب يوفر للآخر مبرر فشله في صورة تخادمية عجيبة .
ما يحدث اليوم هو امتداد طبيعي لأزمة قيمنا السياسية والأخلاقية ، الموجودة قبل الحرب بعقود ، ولولا وجودها لما تفجرت الحرب نفسها ، لقد كان للسلوك السياسي السيئ للأحزاب اليمنية دور نشط ، في نشر السلوك المدمر للقيم والأخلاق في المجتمع ، حيث ساهم في ترسيخ ظاهرة الفساد السياسي ، وما رافقها من جني المكاسب المادية اللامشروعة ، وتوزيع المناصب بناء على الولاء الحزبي ، دون اعتبار للكفاءة والنزاهة .
تسببت الحرب في استكمال تدمير المنظومة القيمية ، ونقلتها لوضع أكثر خطورة ، وتسببت الخلافات الحزبية في الإسهام إلى حد كبير في خلق لوبيات الفساد ، وبناء مراكز نفوذ مالية وقبلية ومناطقية ، على حساب تدمير الروابط والقيم الوطنية ، وتتضح آثار هذا التدمير في تفاقم الاختلالات الأمنية ، وارتفاع معدل ارتكاب الجريمة ، والمخالفات الإدارية الجسيمة في المؤسسات الحكومية .
نحن أمام أحزاب غذت لعقود الكراهية ، وصراع التناقضات ، مزقت التعايش مع الآخرين، وروعة التسامح والألفة والدفء الاجتماعي ، انشغلت بمصالح سلطوية ، بلا تفكير بمصالح الناس ، نحن بحاجة ماسة لقادة عمل سياسي ، بذهنية ذكية وعقليات مستنيرة ونفسيات نظيفة ، بعيدا عن آفات التعصب والانغلاق والأحادية ، التي لم نجن منها سوى التخلف وديمومة الانقسام والصراع .