فاروق يوسف يكتب:

المصالحة حق خليجي وليست حلّا سياسيا فقط

ليس صحيحا الحكم على نتائج المصالحة الخليجية بناء على تكهنات إعلامية. البيان الذي صدر عن قمة العلا كان واضحا في الحديث عن التحديات التي يجب على دول مجلس التعاون أن تواجهها موحدة.

أما الحديث عن الخاسر والمنتصر فهو غير حقيقي ولا يمت بصلة إلى خلفيات وعمق العلاقة بين الدول الخليجية ولا إلى واقع السياسة، لغة ومضمونا وتجليات لن تقيّدها ظاهرة ما بحلول جاهزة قد لا تكون صالحة للتطبيق.

ما جرى كان حلّا استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي أن تتجاوز من خلاله التعثر بمواقف ووجهات نظر بعينها. ففي عالم السياسة يتبع الإجراء، أي إجراء المتغيرات الواقعية التي تحيط به لا بشكل مباشر فحسب، بل وأيضا بشكل غير مباشر. وليس أدل على ذلك ما جرى للعالم في ظل انتشار جائحة كورونا.

لقد تغير العالم كله. انهارت اقتصادات دول وفقدت دول أخرى القدرة على السيطرة على معادلة الواردات والإنفاق. كما أن كثيرا من الدول اكتشفت تخاذلها في حماية مواطنيها بسبب ضعف قطاع الصحة فيها. حدثت فضائح لم يتوقع حدوثها أحد.

غير أن الأهم من كل ذلك أن البشرية اكتشفت أن ما يجري في مكان ما يؤثر على كل مكان على وجه الكرة الأرضية. ذلك درس عميق في السياسة. ما كان نظريا صار ملموسا. لذلك لا يمكن النظر إلى المصالحة الخليجية إلا من جهة كونها استجابة مزدوجة؛ أوّلا لما طرأ على العالم خلال السنة المنقضية من تغيرات جوهرية. وثانيا لأن الخطر الإيراني لا يهدد دولة بعينها من دول الخليج بل جميع الدول، وليست صداقة إيران مقياسا يمكن أن يُعتد به.

من المؤكد أن بعض الإعلام قد أساء الفهم حين سعى إلى أن يفتح أوراقا طويت. وكان من الضروري أن تُطوى تلك الأوراق لا من أجل أن يبدو الحل مشرفا، بل من أجل أن يكون الإجراء حقيقيا وراسخا.

لا أحد يعرف ما الذي قاله الزعماء الخليجيون بعضهم للبعض الآخر. لقد أرهقت الأزمة الجميع. صحيح أن قطر كانت الدولة الأكثر معاناة بسبب تعرضها للمقاطعة، غير أن الدول التي قاطعتها كانت هي الأخرى مثقلة بشعور عميق بتلك المعاناة التي صارت تتعمق من غير أية بارقة أمل كما يُقال.

الحديث المتشائم عن مستقبل المصالحة الخليجية لا معنى له، فالأمر يتعلق بمصير شعوب هي في حقيقتها شعب واحد

وإذا ما كانت قطر قد سعت إلى أن تستعيد ثقة الدول التي تقاسمها مصيرا مشتركا، فإن الدول التي قاطعتها لم تكن تشعر بالراحة وهي ترى جزءا منها يلوذ بالغرباء الذين لا تربطهم به صلة حقيقية وصلبة.

لم يساوم أحد دولة قطر على ما هي فيه أو ما تفكر في أن تكونه. ذلك ما أتوقعه. حضر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى العلا مرتاحا وغادرها مرتاحا. لقد تم ترتيب كل شيء قبل حضوره. ذلك يعني أن لغة السياسة كانت سائدة ولها القول الفصل.

لم يكن أحد في حاجة إلى التذكير بمبدأ الأخوة. استقبال وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لأمير قطر كان دليلا على عبقرية امتزاج الأخوة بالسياسة. لقد قرر الجميع أن ينتقلوا إلى الجانب الآمن.

الحديث المتشائم عن مستقبل المصالحة الخليجية لا معنى له. فالأمر يتعلق بمصير شعوب هي في حقيقتها شعب واحد. كانت الإرادة الشعبية سببا رئيسا في التسريع بالمصالحة التي صارت ضرورية في ظل التحديات التي فرضتها التغيرات التي شهدها المحيط الإقليمي.

ليس صحيحا أن تُترك قطر وحدها.

وليس صحيحا أن تتخلى قطر عن محيطها الخليجي والعربي.

تلك معادلة ثابتة لا يمكن القفز عليها أو نسيانها.

ربما ساُتّهم بالتفاؤل الأبله. في السياسة هناك ما لا يمكن الوثوق به. غير أن تجربة ثلاث سنوات ونصف السنة من المقاطعة لا بد أن تشكل درسا. لا أحد في إمكانه أن ينكر ما انطوى عليه ذلك الدرس من مآثر وحكم.

لقد انتصر الخليجيون على أنفسهم حين قرروا الذهاب إلى المصالحة.

لم يكن ذلك خطأً. فالأخوّة ليست خطأ.

أشار بيان العلا إلى إيران بشكل صريح، غير أن الأخوّة كانت هي الأساس في التحريض على اللقاء. لا بد أن تحرص قطر على وجودها الخليجي. هناك فقط تجد عمقها وتؤكد قيمة وجودها. وما قامت به المملكة العربية السعودية من خطوات جريئة في اتجاه المصالحة إنما هو استجابة لحقائق التاريخ والجغرافيا.

ستكون إيران بالنسبة إلى قطر ظاهرة عارضة. فبغضّ النظر عمّا أملته السياسة عليها من سلوك، فإن العودة إلى الأصول هي الأساس.