صالح البيضاني يكتب:
ملامح عام حافل بالتحولات في اليمن
يدخل الملف اليمني مرحلة جديدة مع بداية العام 2021، في ظل تحولات متسارعة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية تشير إلى أن هذا العام ربما يشهد نهاية الحرب اليمنية بالشكل الذي عرفناه منذ اندلاعها في العام 2015 في أعقاب الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران.
فعلى الصعيد اليمني، وقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على اتفاق الرياض الذي تم بموجبه تشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرا، اصطدمت منذ نزول الطائرة التي تقلها في مطار عدن بوابل من الصواريخ الحوثية، وبرزمة من الملفات الاقتصادية والأمنية المعقدة التي يبدو أن أخطر ما يهددها هو حالة الاختلاف الأيديولوجي والتباينات السياسية داخل الحكومة التي تتكون من مزيج غير متجانس من المكونات والقوى.
وبقدر ما يعد اتفاق الرياض ثمرة نجاح لجهود سعودية حثيثة لتوحيد جبهة الشرعية، بهدف مواجهة التحولات والتحديات المرتقبة التي تلوح في أفق المنطقة، ينظر المجتمع الدولي إلى هذه الخطوة باعتبارها ركنا هاما من أركان التسوية الشاملة في اليمن التي يسوق لها المبعوث الأممي إلى اليمن من خلال رؤيته المعروفة باسم “الإعلان المشترك” التي ينظر إليها المناهضون للمشروع الحوثي باعتبارها مكافأة للانقلاب ليس إلا!
ومن ناحية التوقيت لا يبدو أن التحركات التي تقودها الأمم المتحدة والتي تسير بالتوازي مع ضغوط دولية تقودها بريطانيا على وجه التحديد، في صالح الحكومة اليمنية التي مازالت بحاجة إلى بعض الوقت لترتيب الجبهة الداخلية للشرعية ومعالجة الأخطاء المتراكمة لسنوات، قبل أن تكون جاهزة للجلوس على طاولة المفاوضات أو خوض جولة سريعة من المواجهات العسكرية لاستعادة ما خسرته في الآونة الأخيرة من مكاسب نتيجة الصراع السياسي في معسكر المناوئين للانقلاب الحوثي، كما هو الحال مع محافظة الجوف ومنطقة نهم التي تمكن الحوثي من استعادتها.
وعلى الصعيد الإقليمي شهدت المنطقة حدثا مهما قد ينعكس بصورة مباشرة على الملف اليمني، ويتمثل ذلك في المصالحة بين قطر ودول ما كان يعرف بالمقاطعة التي تخللها صراع سياسي وإعلامي قاس كان اليمن أحد ميادينه الرئيسية، من خلال ما بات ملموسا من دعم قطري مباشر وغير مباشر للحوثيين وبعض الأطراف اليمنية التي عملت على تعميق حالة الانقسام في معسكر “الشرعية” وخدمة الأجندة الحوثية عن جهل أو ربما عن عمالة.
ويأمل كثير من اليمنيين أن تأتي “المصالحة الخليجية” بثمارها في اليمن، عبر دعم جهود تحجيم النفوذ الإيراني التي يقودها التحالف العربي لدعم الشرعية، وصولا إلى سلام عادل وحقيقي قائم على إحلال العدالة واحترام الدولة وعكس آثار الانقلاب، وليس تكريسها والاعتراف بها كأمر واقع، كما تشير بعض التصريحات لمسؤولين دوليين يتحدثون عن سلام بلا ملامح أو محددات.
أما التحول الثالث الذي يمكن أن يلقي بظلاله على مجريات الملف اليمني، فهو ما يتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية، وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن الذي تؤكد المؤشرات الأولية لسياسته الخارجية بأنها ستكون امتدادا على الأرجح لسياسة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما القائمة على مهادنة المشروع الإيراني، وهو ما يعني تخفيف العقوبات على النظام الإيراني وعودة العمل بالاتفاق النووي والتماهي مع الرؤية البريطانية الخاصة بالحل السياسي في اليمن القائمة على دعم جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث وانتزاع اتفاقات يصعب تطبيقها على الأرض مثل اتفاق ستوكهولم الذي مضى على توقيعه ما يقارب العامين دون تنفيذ أي من بنوده سوى تلك التي تخدم الميليشيات الحوثية، كما هو الحال مع وقف إطلاق النار الذي لم يتوقف إلا من طرف واحد، هو المقاومة المشتركة والتحالف العربي، وتمرير صفقة تبادل أسرى يعتقد العديد من اليمنيين أنها تخدم الحوثي أكثر من الشرعية بالنظر لمن شملتهم هذه العملية التي تم بموجبها إطلاق الشرعية لسراح المئات من أسرى الحرب الحوثيين مقابل إطلاق الحوثي لناشطين وطلاب وصحافيين اعتقلهم من منازلهم في المناطق الخاضعة لسيطرته.
وانطلاقا من هذه المعطيات، لا يبدو مسار السلام في اليمن مفروشا بالورود، حيث تتجه السيناريوهات لعقد اتفاق سلام تحت حرب الضغوط الدولية، يكون نسخة شبيهة على الأرجح من اتفاق السويد، بحيث ينهي الحرب بشكلها الذي خبرناه خلال ست سنوات ولكنه لا يضع حدا لمعاناة اليمنيين ولا يحقق الحد الأدنى من أحلامهم باستعادة الدولة.