علي الصراف يكتب:

تركيا والإمارات.. حسن النية الذي ينتظر الجواب

بإعلان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش عن استعداد الإمارات لتطبيع العلاقات مع تركيا، تكون الإمارات قدمت أقصى ما يمكن تقديمه من حسن النيّة.

الإمارات تنظر، من دون أدنى شك، إلى تركيا – الدولة، وليس بالضرورة إلى تركيا – أردوغان. فهذه شيء وتلك شيء آخر، ولو شاءت تركيا الأردوغانية أن تقترب من تركيا – الدولة، فإن شيئا لن يحول دون تطبيع العلاقات حتى مع الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه.

هناك قضيتان كبيرتان ألمح إليهما قرقاش. الأولى، هي دعوة تركيا إلى التخلي عن دعم جماعة الإخوان المسلمين. والثانية هي تحسين العلاقات مع مصر. ويستطيع المرء أن يربط بين هاتين القضيتين. والربط قد يعني القول: كفوا عنا وعن مصر شرور هذه الجماعة، وليكن لكم معها شأنكم الخاص. “لا توجد مشكلة” فعلا.

يمكن النظر إلى هذا الاستعداد من زاوية أخرى أيضا. تركيا، حتى مع سلطة أردوغان ما تزال دولة. بمعنى أن الدولة فيها لم تنتحر كما انتحرت في إيران، حتى تحولت إلى دولة عصابات وميليشيات. وهذا ما يُبقي بعض الأمل بأن يكون للدولة أثر ما في صنع السياسات والخيارات.

أردوغان، بسجله المخزي في الجوانب المتعلقة بالاقتصاد وحقوق الإنسان، وبمساعي الهيمنة الخارجية، واختلاق الأزمات، بل وباستعانته بعصابات وميليشيات في سوريا وليبيا، لن يبقى طويلا في السلطة. الدولة التركية هي التي سترث الخراب من أجل إعادة إصلاحه. وعند هذه اللحظة فإنها ستكون في أمسّ الحاجة إلى علاقاتها العربية والخليجية.

دعوة قرقاش قد تبدو نوعا من ترتيب مسبق مع مصالح تركيا – الدولة. أي تلك المؤسسة التي ما يزال هناك، حتى في حزب أردوغان نفسه، من يعتبر أن سياسة “صفر مشاكل” هي الخيار الأمثل.

مصر أيضا تريد “صفر مشاكل”. ومعها كل دول الخليج. وهو ما يعني أن على الذين يختلقون المشاكل أن يكفوا عن اختلاقها. أو بعبارة أشد وضوحا: أن يكفوا عنا شرورهم، على الأقل.

المنعطف الذي تفرضه الأوضاع الراهنة، سواء من جهة كورونا، أو جهة السعي لمعالجة أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو من جهة التوازنات الإستراتيجية الدولية المتبدلة، أو من جهة الاقتصاد، يستدعي اهتماما بقضايا أخرى، أكثر حيوية، من الأزمات الأصغر أو الأقل خطرا.

عد لترتيب الأولويات، وستجد أن الجميع يقفون أمام منعطف. وفي المنعطف، فإنك بحاجة إلى أن تستدرك الفرص والإمكانيات وأن تفتح جميع الأبواب أمام أفضل الخيارات الممكنة. هذا شأن من شؤون حسن التدبير. فإذا كانت شرور الأيديولوجيات الطاحنة شيئا عنيدا، فإنك لن تواجهها بموقف أيديولوجي مضاد، وإنما بموقف يتعقل المصالح أولا، ويرسيها على أسس “دولتية” تحترم السيادة وتمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية وتنأى بالنفس عن الصراعات الأيديولوجية. وكان ذلك بالذات هو الوجه الآخر لدعوة قرقاش.

وعندما تجد دول الخليج نفسها في مواجهة النزاعات العدوانية الإيرانية، فإن “تهدئة الملعب” مع الآخرين تصبح أمرا ذا أهمية أكبر.

المنعطف الذي تفرضه الأوضاع الراهنة، سواء من جهة كورونا، أو جهة السعي لمعالجة أزمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو من جهة التوازنات الإستراتيجية الدولية المتبدلة، أو من جهة الاقتصاد، يستدعي اهتماما بقضايا أخرى، أكثر حيوية

إيران، على وجه الحقيقة، هي الخطر الذي يتعين مواجهته. أولا، لأنها دولة عصابات وميليشيات. وثانيا، لأنها دولة مشروع أيديولوجي طائفي يقصد التفتيت والتدمير والتمزيق. وثالثا، لأنها مستعدة لارتكاب جرائم كبرى بحق الجوار، كما أثبتت ذلك غير مرة، خلال السنوات الماضية، بل ومنذ قيام جمهوريتها الخمينية.

وإذا كانت دول العالم الأخرى، التي يضع المرء رهاناته عليها، تتردد في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لردع فائض طاقة العدوان لدى إيران، فإن تسوية الأزمات مع تركيا تصبح أمرا معقولا. على الأقل من أجل ألا تكون شوكة إضافية في الخاصرة.

لقد أمكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، انطلاقا من تصوّر يسمح بفتح طريق أوسع لإحلال السلام في المنطقة، كما يسمح بإزالة العقبات التي كانت تحول دون أن تتوفر لدول المنطقة القدرات العسكرية المناسبة لردع النزعة العدوانية الإيرانية.

قبل أيام، ذهب حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني إلى جزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة ليطلق تهديداته من هناك.

كان من الأولى بكل ذي عقل أن يتساءل عن سبب اختياره لهذا المكان. بل لماذا الإمارات بالذات؟ ما الذي يجعل العدوانية الإيرانية تتخذ من الإمارات هدفا لها؟

الأجوبة واضحة على أي حال. فهذا بلد مزدهر، وهو قوة اقتصادية فاعلة، وينبض بالحياة، بينما الغنغرينا تلتهم أرجل إيران، فيدفعها الحقد على نجاح الآخرين إلى البحث عن فرصة للعدوان.

ذهب سلامي لكي يمارس الاستفزاز ضد بلد آمن، وليبث سموم أحقاده على كل نجاح تحققه دول المنطقة.

إيران تريد لهذه الدول أن تكون عراقا آخر وسوريا أخرى ولبنان أو يمن آخر. فائض الحقد إنما يكمن هناك. وهو يمارس شروره في هذه الدول، كل يوم، ليفرض الفقر والحرمان والتشرد والانحطاط على عشرات الملايين من البشر الذين وقعوا بين فكي ولي العدوان الفقيه.

الشرور التركية لم تبلغ هذا المبلغ من التهديد، لأن باقي الدولة فيها، يلزمها بباقي العقلنة، ولو هبت بعض رياحها من أوروبا.

فإذا كانت لتركيا مصالح، فمن بين أولها أن تكون شريكا في مواجهة النزعة العدوانية الإيرانية بالذات.

بقي لحسن النية، أن يُقابل بمثله. ومن بعدها يمكن لحساب المصالح بين الدول أن يقوم، بالعقل، وبحساب.