افتتاحية الخليج:

بشائر ما بعد الجائحة

الإصابات والوفيات تتراجع، حملات التطعيم تتكثف وتتسع في كل مكان؛ منظمة الصحة العالمية تزف بحذر البشرى تلو الأخرى، كلها مؤشرات تفيد بأن الحرب العالمية على فيروس كورونا قد اهتدت إلى الخطط الاستراتيجية الكفيلة بهزيمة الفيروس الخبيث، ليتفرغ المجتمع الدولي لاحقاً، لإزالة آثاره المدمرة على جميع الصعد.

قبل عام من الآن، كان العالم كله في حيرة مهولة أمام الجائحة التي أخذت تنتشر بشراسة. وحين بدأت حصيلة الضحايا من المصابين والمتوفين تتراكم، سارعت الحكومات إلى فرض الإغلاقات الصارمة حتى تقطعت السبل بالناس أجمعين، ولحقت خسائر تاريخية بالتوازنات الاقتصادية، وظهرت في بعض البلدان بوادر تمرد اجتماعي، رفضاً للتدهور المعيشي وإجراءات العزل الخانقة. واليوم بعد أن بلغ عدد الإصابات العالمية 110 ملايين، والوفيات أكثر من مليونين و400 ألف، بدأت الحصيلة الإجمالية تتباطأ بسبب نجاعة القيود الصحية المفروضة، ثم لدور اللقاحات والإقبال عليها في مختلف الدول. وستثبت الأيام أن اللقاحات التي دخلت المعركة حالياً، ستكون الضامن الأساس لهزيمة هذا الوباء. فالنتائج الأولية المتوفرة تؤكد أن عمليات التطعيم تؤتي ثمارها، وبدأت توفر الحصانة ليس للأفراد فحسب؛ بل للمجتمع الإنساني الذي تضرر بشدة، وكاد يفقد الأمل بعودة الحياة كما كانت قبل هذه الجائحة.

الآن، صار الأمل مشروعاً، والتفاؤل حقيقة، وقياساً بعدد الإصابات المسجلة عالمياً، فإن عدد الذين أخذوا التطعيمات تجاوز 100 مليون شخص، على اعتبار إعلان الحكومات المختلفة تقديم ما يناهز 200 مليون جرعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهناك دول عدة تراهن على تطعيم أغلبية شعوبها مع بداية الصيف، على أمل أن تستأنف الحياة دورتها بكامل طاقتها مع بداية الخريف المقبل، وربما قبل ذلك. ولتعزيز هذا التقدم، حثت الأمم المتحدة على تبني خطة عالمية لتوزيع اللقاحات على جميع الدول، وخصوصاً الفقيرة منها، لتحقيق مناعة جماعية قد تصل إلى أكثر من 70%. وعدم تحقيق هذا الهدف قد يثير بعض الصعوبات الصحية، ويؤثر في نجاح حملات التطعيم، في ضوء التحوّرات التي تطرأ على الفيروس الخبيث.

خروج العالم من الجائحة أمر حتمي، لكنه لن يكون دفعة واحدة؛ بل على مراحل، تجنباً لأي انتكاسة في المستقبل المنظور. فمع اتساع حملات التطعيم بدأت الحكومات في الإعلان عن رفع تدريجي للقيود، مع توقعات بأن تحمل الأسابيع المقبلة مزيداً من البشائر مع عودة نشاط رحلات الطيران، والتبادل التجاري والسياحة، ومن شأن ذلك أن يسهم في معالجة التأثيرات السيئة للجائحة على الوظائف، وزيادة نسب الفقر، خصوصاً في الدول الفقيرة.

ومن حسن الحظ أن أغلب الدول واعية للتحديات المنتظرة ما بعد الخلاص من الوباء، وهو ما سيعزز التنسيق ويدفع إلى انتهاج سياسات وخطط ناجعة، تجعل الحياة بعد كورونا أفضل، والعالم أكثر أخوة وتراحماً ونبذاً للصراعات والخلافات.