علي الصراف يكتب:
"البيت الشيعي" في أمثال العراقيين
يطلق العراقيون أوصافا شعبية ملفتة للانتباه حول الجماعات المنضوية تحت لواء “البيت الشيعي” وحول رجال الدين التابعين لها ممن يمارسون أعمال الخداع، بعضها خشن بخشونة الأذى الذي يرزحون تحته، وبعضها محاولة لتفسير ما يفعلون، وبعضها للتملص من التصريح المريح. ويستخدمون لذلك أمثالا معروفة، فتغني عن الكثير من الكلام.
و”البيت الشيعي” في العراق هو لملوم الأحزاب والميليشيات الطائفية التابعة لإيران. وبرغم أنهم طائفيون، قلبا وقالبا، وبحكم التعريف نفسه، إلا أنهم يستنكرون الطائفية، وكأن واحدهم يحاول أن “يسد ضوء الشمس بغربال”، وهم لكثرة ما يبيعون وطنيات زائفة قيل فيهم “على ريحة اليخني غفينا”.
وكان أحمد الجلبي أحدَ مؤسسي هذا “البيت”، وقد اتخذه سبيلا للتقرب من إيران. وهو الذي كان مرشحا لرئاسة الجمهورية في مطلع أعوام الغزو، وعثر الأميركيون في منزله على مطبعة لتزوير الدينار، في دلالة على نوعية الأساس الذي نهض عليه هذا “البيت”.
ويحتشد “البيت الشيعي” بحملة ألقاب الدكتوراه المزورة، أو المشتراة من جامعات تم تأسيسها في النجف لبيع الألقاب لتكون من جملة “عدة النصب”، إلا أن قائمة المتهمين بالفساد داخل أطراف هذا البيت هي الأطول في العالم. وعندما أصبح سقط المتاع من أنصاف الأميين هم الوزراء وكبار المسؤولين لم يجد العراقيون إلا القول “من قلة الخيل، شدوا على الجلاب سروج”.
اختلاف الأطراف داخل “البيت الشيعي” هو اختلاف “تقية”، لأن الهدف من وجودهم فيه واحد. وهو ضمان السلطة والنفوذ لصالح واحد أو أكثر من جماعات هذا البيت، على ألا ينسى ما للجماعات الأخرى من حقوق عليه.
والسلطة بينهم تدور. مرة لهذا ومرة لذاك، ولكنها في النهاية لهم جميعا، بأن يستر الواحد منهم على الآخر ويحفظ له حقوقه في النهب وأعمال القتل والتزوير والتجارة من وراء ظهر الدولة وإبرام التعاقدات لصالح إيران والدفاع عن مصالحها وتنفيذ مطالبها. وإيران هي التي تلعب اللعبة، حسب التعبير القائل “داور كيسه”، أي عندما يُقلّب الحاوي حصوات الخداع في الكيس، فينتقي منها واحدة، بينما الكيس هو نفسه، والحصوة أخت الأخرى. وكلما جاء حزب منهم وراح آخر قال العراقيون “تيتيتيتي مثل ما رحتي جيتي”. وهو ما قد ينطبق على الانتخابات المقبلة.
ومن الجائز، بحسب عرف التأسيس، أن يُظهر أحد الأطراف عداءه للآخر. فاللعبة تقتضي أن تكون هناك معارضة، لكي تتمكن من استقطاب ما لم يتمكن الحزب الآخر من استقطابه. وكل شيء مسموح في توجيه الانتقادات العلنية، بل وحتى توجيه الاتهامات. ولكنها كلها “بول بشط” (حسب المفهوم العراقي للتسويف). ذلك أن هذه الجماعات ترتكب الشيء نفسه عندما تكون في السلطة. وتعرف أن الطرف الذي ينتقدها من داخل “البيت” إنما يحاول أن يظهر للناس أنه طاهر وشريف، بينما هو وصاحبه “مثل حجار الطهارة، ساف أنجس من ساف” (والمسؤولية في هذه التعابير على العراقيين أنفسهم، لأنهم يعرفون هذه الجماعات فيقدمون لها وصفا من باب المعرفة والتجربة).
وكانت جماعة مقتدى الصدر هي أكثر من قام بلعب هذا الدور المسرحي على امتداد سنوات. فيخرج “السيد” ليقيم سرادق احتجاجات، فيرغي ويزبد ويهدد، وكأنه أبو المعارضة وأمها. وبطبيعة الحال، فإنه لا يسمح لأحد أن يركب هذا المركب سواه، لكي لا يسرق منه لعب الدور. وهو حالما شاهد معارضة تنمو في الشارع العراقي وتظاهرات تخرج بالملايين ضد أحزاب التبعية الإيرانية انبرى لكي يحرك ميليشياته ضد المتظاهرين لتقتل وتستبيح، مرة بالهراوات والعصي ومرة بالسكاكين وأخرى بالرصاص الحي.
والكل يبيع وطنيات، رغم أنه إيراني القلب والهوى. والعراقيون يطلقون على هذا السلوك المراوغ تعبير “حلاوة بجدر مزروف”، بقصد القول إنهم يبيعون الحلاوة ولكن بقدر مثقوب.
والوعود التي يطلقونها في كل انتخابات كثيرة، حتى تعلم العراقيون القول إن واحدهم “يطيّر علينا أفياله” أو “يثرم علينا بصل”.
ويمارس رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي سلطته تحت شعار “خلي ياكلون مادام خالهم طيب”، وهو مثل يُضرب للذي يقدم وعودا زائفة (لأبناء أخته الذين كاد يشتري لهم تفاحا وموزا وبطيخا ولم يأت بشيء بالفعل، فلما قالت له أخته: لماذا تتعب نفسك؟، قال لها: خلي الأولاد ياكلون..، في ضرب من التفاخر الفارغ).
ولقد استفرد أطراف “البيت الشيعي” بالسلطة منذ الغزو عام 2003، ولم يسمحوا بأي تعديل أو إصلاح للنظام السياسي يحد من قدرتهم على السيطرة عليه. فقال العراقيون “ظل البيت لمطيرة، وطارت بي فرد طيرة”. ومهما حصل فإنهم متحدون في هذه القضية. فالدستور الذي صممه لهم الغزاة الأميركيون يقول إن رئاسة الوزراء تكون لشيعي بينما رئاسة الجمهورية لكردي ورئاسة البرلمان لسني. إلا أنهم “عدلوا” الدستور بصمت من الناحية الواقعية، ليكون رئيس الوزراء شيعيا من ذلك البيت حصرا. حتى بات العراقيون يعرفون أن السبب ليس بمن كتب الدستور، وإنما بمن ينفذه لصالحه، فقالوا “الصوج مو بالصالنصة، الصوج صوج الشاصي”، (وهو مثل يرمي باللوم على قاعدة السيارة وليس بطانتها).
فإذا سألت العراقيين عن أحولهم مع “الديمقراطية” التي يهيمن عليها “البيت الشيعي” قالوا “اليدري يدري والمايدري كضبة عدس”. فقد انتهكت حقوقهم في كل شيء، حتى أصبحوا عاجزين عن الشكوى نفسها، لكثرة ما شكوا.
نظريا “البيت الشيعي” هو بيت “سياسي” ولكنه أكثر من ذلك، لأنه بيت يحتوي على الكثير من أشكال التعاملات الأخرى. ومنه تخرج السيطرة على النوادي الليلية وتجارة المخدرات والتهريب والاستيلاء على موارد الدولة والبنوك التي تيسر لإيران الحصول على أموال مجانية عن طريق التلاعب بأسعار العملات، وكل ما يخطر وما لا يخطر على بال. فأينما توجد فرصة للنهب يوجد طرف من أطراف هذا البيت، إما ليقدم رعايته وحمايته وإما ليكون شريكا.
وكلما نشأت أزمة تجدهم يجتمعون، ويترأس اجتماعهم ليس رئيس الوزراء وإنما “العراب” التقليدي، صاحب الباع الطويل في أعمال الفساد. فهم أقرب إلى عصابات مافيا منهم إلى أحزاب سياسية. وهناك يتم تدبر كل المخارج بما يحمي إيران، ويحمي المسلحين الذي يمارسون أعمال الاغتيالات أو يقصفون القواعد الأميركية، أو يتولون تسويف باقي أشكال الجرائم الكبرى.
إنه “بيت” ليس كأي بيت، وتحول العراق بفضله إلى “خان جغان”.