وساطة الإخواني المخادع
من المؤكد أن الوساطة التي عرض القيام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحل الأزمة القطرية هي واحدة من ألاعيبه الاستعراضية التي لم تعد تنطلي إلا على مَن يجمعهم الفكر الإخواني به.
أعتقد جازما أن المملكة العربية السعودية التي زارها أردوغان في إطار جولته الخليجية لم تصدق شيئا مما قاله. لا لأن الرجل سبق له وأن أعلن عن موقفه المنحاز لقطر فحسب، بل وأيضا لأنه ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين التي طالبت دول المقاطعة ومنها السعودية بحذفها من المعادلة السياسية.
أردوغان الذي حضر بصفاقة إلى السعودية عارضا وساطته هو طرف غير محايد. فما يزعج قطر في مطالب دول المقاطعة يزعجه شخصيا. وهو لذلك طرف في الأزمة لا يحق له أن يستغفل الآخرين من خلال تمثيل دور الوسيط الذي يسعى إلى تقريب وجهات النظر.
لهذا السبب كان من الممكن اعتبار الاكتفاء باعتبار أردوغان وسيطا فاشلا لولا حقيقة الدور الذي يلعبه رئيسا لتركيا. فالرجل الذي سلب ألباب الكثيرين بمزاجه الإسلامي هو في الوقت نفسه المسؤول الأول في ماكنة اقتصادية، قٌدر لها بسبب الفوضى التي عمت المنطقة أن تحقق نجاحات كبيرة.
لذلك يمكن القول إن أردوغان وهو يرعى مصالح بلاده الاقتصادية هو في حقيقته أكثر الناس حرصا على استمرار الأزمة القطرية. فتركيا كانت أكثر الرابحين من تلك الأزمة. لقد انفتحت أمامها سوق استهلاكية لم تكن في الحسبان هي السوق القطرية.
لذلك يمكن الجزم بأن ما قاله أردوغان في جدة لم يقله في الدوحة.
ليس جديدا عليه أن يكون بوجهين.
ليس مقبولا بالنسبة إليه أن تُعاد قطر إلى محيطها الطبيعي. فهي على المستوى الاقتصادي فريسته التي تستحق أن يعتني بها جيدا. كما لا يُخفى أن دول المقاطعة قد طالبت بإغلاق القاعدة التركية في قطر. وهو ما يضع تركيا في موضع الشبهات.
ليس من تفسير لما قام به الرئيس التركي سوى الخداع. لم يقل أردوغان بالتأكيد للسعوديين “اتركوا قطر لي” وهي جملته المضمرة التي قد يكون قد قالها في الدوحة بطريقة ستشجع القطريين على المضي أكثر في طريق عزلتهم عربيا.
بالعودة إلى المطالب التي رفضتها الدوحة فإن العلاقة المريبة التي تربط قطر بتركيا كانت مشمولة باعتراض دول المقاطعة. كما هو حال علاقتها بإيران. وهو ما كان يعرفه الرئيس التركي قبل قدومه إلى المنطقة.
فهل كانت وساطته محاولة لغلق الأبواب؟ مع شخصية مثل أردوغان يمكن توقع ذلك.
لقد استثنى الرجل دولة الإمارات العربية المتحدة ولم يزرها لا لشيء إلا لأن قادتها يعرفونه جيدا. وهو لذلك لا يستطيع أن يستعرض أمامهم موقف الوسيط المحايد. أردوغان المستفيد من أزمات المنطقة لا يمكنه أن يرى نفسه في مرآة الإمارات التي يعرف أنها ستظهره على حقيقته.
من المؤكد أن أردوغان قد هُزم في وساطته. غير أن زيارته كانت ضرورية بالنسبة إليه لكي يتأكد بنفسه أن الهوة التي تفصل بين الطرفين عميقة، وهو ما يُريحه. لم يكن في إمكانه أن يحرض السعودية على قطر غير أنه بالتأكيد قام بتحريض قطر على دول المقاطعة. لو لم يتمتع أردوغان بمقومات شخصية المهرج لما قام برحلته.
لقد استقبله السعوديون مضطرين باعتباره رئيسا وهم يعرفون ما تنطوي عليه شخصيته من تهريج، غير أنه أضاف هذه المرة مكرا مخادعا حين ظهر بصفته وسيطا. وهي الصفة التي ردها السعوديون بتهذيب يليق بهم.
السعوديون يدركون أن وساطة أردوغان ليست حقيقية. لقد أحرجهم الرجل بصفاقته.
من المؤكد أن أردوغان نفض يديه من الوساطة التي لم تكن حقيقية.
كانت رحلته الخليجية واحدة من صفقاته التي سيقنع الأتراك أنها كانت رابحة. وهي كذلك حقا.