عباس البخاتي يكتب:

وقفة مع أتباع المالكي والصدر

ما إن تدخل على اي من المجاميع "النخبوية" ستفاجأ بكمية السباب من البعض، لمن يخالفهم أو يتبنى منهجا مغايرا لمنهجهم.
من المؤكد ان تلك المجاميع  أسست لهدف نبيل، ولا نشكك بنوايا القائمين عليها، فهي تسهم في إنضاج وصناعة رأي نخبوي ضاغط بإتجاه مصلحة الوطن والمواطن، كما أنها تثري المتابع بتحليلات قيمة، يطرحها أساتذة من ذوي الإختصاص، بدافع الغيرة على مقدرات البلد ومصير أبنائه.
عند تشخيص اي مشكلة، لابد من الإشارة إلى الخلل، وتسمية الأشياء بصورة حيادية بعيدا عن الإنتقاص، من اي منهج سياسي سواء من ورد ذكرهم في العنوان أو غيرهم، وهذا ليس إدعاء بل مهنية ومبدأ إعتدنا عليه، فالواقعية والإعتراف بالآخر ضرورة لابد منها، لمن يحترف الكتابة خصوصا في مضمارها السياسي.
واقع السوشال ميديا يعكس اليوم حربا كلامية "ولا نخفي خشيتينا من تطورها لأبعد من ذلك " بين أنصار زعيم حزب الدعوة نوري المالكي من جهة، وبين أتباع مقتدى الصدر من جهة أخرى.
ربما نواجه بإعتراض ما حول تشخيص تلك الحالة، بهذين المسميين دون غيرهما، بلحاظ أن التنافس الحزبي قائم على قدم وساق، والأمر تمارسه جميع المسميات تجاه خصومها خصوصا بعد متغيرات تشرين، ومناورة الكتل السياسية وإستعدادها لخوض الانتخابات المقبلة.
لرد هذا الإعتراض لابد من الإشارة لأمر مهم، يتعلق بالدور الفاعل الذي يعكسه الأداء السياسي لكل منهما، ويجب إنعاش الذاكرة وتحفيزها، لمعرفة الإنعكاس المباشر لخطوات التيار الصدري، التي كانت سببا في وصول حزب الدعوة للسلطة، والتشبث بها والعمل على وضع الأسس القوية لدولته العميقة، بمباركة الصدريين، الذين يجمعهما المسمى الجهادي قبل غيره.
بغض النظر عن صحته من عدمها وبعيدا عن الخوض في الأحداث التاريخية "غير المتفق عليها" _ يرى حزب الدعوة في المواقف الجهادية  للشهيد محمد باقر الصدر ورؤويته للحراك الحزبي ضمن الأطر والمعايير الإسلامية علامة شاخصة في مسيرته، ومن الممكن تسويقها بسهولة الى المتلقي، خصوصا الأجيال المتقدمة ممن عاصروا حركة الشهيد الصدر ، وفعلا تم للدعاة ما أرادوا حيث نالوا ثقة الناس، واتضح ذلك في نتائج الإنتخابات.
الدعوة بتعكزهم على امجاد الصدر الأول وجدوا من يتناغم مع ميولهم تلك، ضمن إطار المسميات العائلية ممثلا بالحركة "الإصلاحية" للصدر الثاني فحاولوا استثمار جهود  مقتدى الصدر، الذي نجح  في تشكيل تيار من بقايا اتباع ومحبي والده الذين تبعثروا بين مختلف اتباع طلبته بعد شهادته.
كانت نتائج الانتخابات التشريعية في ٢٠٠٥ كاشفة عن تلك النوايا، بعد إصرار  الصدريين  على ان تكون رئاسة الوزراء من حصة الدعوة، وبشخص الجعفري الذي كان يشغل سكرتيرا للحزب آنذاك. وفعلا تم لهم ما ارادوا بعد حصوله على ثقة الائتلاف الشيعي، بتأييد من السنة والكرد.
بعض المتابعين استشعر منذ اللحظات الأولى لتلك التفاهمات بين الدعوة  كممثل لحركة الصدر الأول الإصلاحية كما يسوقون لانفسهم، وبين التيار الصدري كممثل لحركة الصدر الثاني _ بأنها تفاهمات يراد منها الذهاب باتجاه "صدرنة العراق".
هذا ما سعى اليه مناصروا الفريقين، من خلال حملات التسقيط، لتحجيم المنافسين في الساحة الشيعية، واتهام شخصيات مؤثرة، تنفي عنهم الوطنية والأخلاق، مما ولد شرخا أثر في النسيج الاجتماعي العراقي.
بعد انتهاء ولاية الجعفري الذي رفض من شركاء الوطن، بعد ان كان مرشحا عن القوى الشيعية وايضا بمباركة التيار الصدري وجهودهم خصوصا في عملية التصويت، التي جرت في مقر الائتلاف الشيعي،  تم  تقديم  المالكي بديلا عن الجعفري كونه الرجل الثاني في الحزب.
لم يكن  المالكي قادرا على إستكمال كاببنته الوزارية، لولا المغريات التي عرضها على ممثلي التيار الصدري، والتي تمثلت بالوزارات الثمان مقابل تصويتهم لصالح الحكومة.
خطة فرض القانون التي شرعت بها حكومة المالكي الأولى، شكلت منعطفا خطيرا كان من شأنه نسف علاقة المودة بين الجانبين، حيث اكد الصدريون مرارا بعدم تصويتهم على ولاية ثانية للرجل، والتي حصل في انتخاباتها، على غالبية  المقاعد البرلمانية، لكن الرجل  أصبح خبيرا، في كيفية جذب خصومه عن طريق التلويح بالمغريات التي يسيل لها اللعاب.
فعلا سارت العجلة حسب ما تتمناه الزعامات السياسية لكلا الفريقين، والذي على مايبدو ان القواعد الجماهيرية لهما كانت في واد غير الذي يسلكوه، كونها عبارة عن "كومبارس" واقل ما يقال عنها انها حشد انتخابي، فلا داعي لتحامل احدهما على الآخر، كون علاقة السياسيين متشنجة في الإعلام فقط، وتتسم بالود والاحترام خلف الكواليس، ومن الضروري جدا، أن يعي اتباع التيار، انه لولا وقوفهم الى جنب الدعوة، لما تمكن ا الأخير من تسيد المشهد، كل هذه السنوات .. ومهما بلغت حدة الخلافات بينهما، يبقى التيار وزعامته أصحاب الفضل بتمكين الدعوة من العملية السياسية، التي طالما عبر عن تحفظه عليها كونها جاءت على أنقاض الاحتلال الذي أطاح بنظام البعث.