عبدالواسع الفاتكي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحل السياسي للحرب وفخ اليمنيين القادم !

يجد اليمنيون أنفسهم اليوم ، بعد أكثر من ست سنوات من انقلاب المليشيات الحوثية ، وتدخل التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية ، أمام مشهد يمني أقل ما يمكن وصفه بأنه بالغ التعقيد والصعوبة ، خارطة نفوذ عسكرية تتوزع  بين أطراف الصراع ؛  للمحافظة على وجودها في أي تقاسم سلطوي قادم ، بات وضع الشرعية اليمنية اليوم التي جاء التحالف العربي لدعمها وعودتها طرفا من عدة أطراف متصارعة .
تدار الحرب في اليمن بالتقسيط المريح  ، رغم أن دول التحالف العربي تملك من الإمكانيات ، ما يجعلها تحسم الحرب لصالح الشرعية في مدة وجيزة جدا ، لا تتعدى بضعة أشهر ، فبعد أن تمت السيطرة على الأجواء اليمنية  ، كان بالإمكان مد الجيش الوطني بالأسلحة الثقيلة ، التي تتطلبها المعركة البرية ، وإسناده بكافة أنواع الدعم اللوجستي المالي والاستخباراتي ، فهذا كفيل بإسقاط الانقلاب ،  وتحرير العاصمة صنعاء  ، ومن ثم الدخول في حل سياسي آمن ، يشارك فيه الحوثيون ، كمكون سياسي لا مليشيات مسلحة منقلبة ، تحصد مكاسب سياسية ؛ جراء انقلابها على مؤسسات الدولة .
في المقابل الشرعية اليمنية ممثلة بمؤسسة الرئاسة والحكومة والأحزاب السياسية اليمنية الداعمة لها ، متخمة بالفشل ، تفقتر لوحدة الهدف والمشروع الجامع للملمة الصف الوطني المناهض لانقلاب المليشيات الحوثية ،  هي الآن في موضع عجز، عن استعادة الدولة والحافظ على سيادة اليمن وسلامة أراضيه ، أريد لها أو أرادته هي لنفسها ، لقد أوكلت الشرعية اليمنية مهمة إدارة الحرب وإنهائها ، بل حل المشكلة اليمنية برمتها للقوى الإقليمية والدولية ، واكتفت برمزية اعترافها بها ، كسلطة شرعية ، واقتصر دورها على الترحيب بتحركات الإقليم والمجتمع الدولي ، وإصدار البيانات المرحبة بها ، ولا ننسى التذكير بإشادتها بتضحيات اليمنيين ، في مقاومة الإنقلاب والمشروع الإيراني في اليمن !
منح الإقليم والمجتمع الدولي السلطة الشرعية في اليمن لقب السلطة الشرعية والممثلة للشعب اليمني ، وهو ما أثلج صدور شرعيتنا المبجلة ، وجعلها تستريح لهذا المنجر العظيم ، بينما لم تدرك أن المليشيات الحوثية الانقلابية ، اكتسبت أيضا نوعا من شرعية الاعتراف ، بمجرد قبول الشرعية الجلوس معها ، في جنيف وفي الكويت  ، وقبل ذلك دخولها مؤتمر الحوار الوطني دون نزع أسلحتها وتكوينها حزبا سياسيا ، ثم لا ننسى لقاءات مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفيث ، والمبعوث الأمريكي لليمن ليندركينغ ، وغيرهما من المسؤولين الدبلوماسيين لكثير من الدول ، مع ممثلي المليشيات الحوثية ، ألا يعد ذلك اعترافا بها كطرف من أطراف الصراع لا طرفا انقلابيا ، يجب أن يعود عن انقلابه ، ثم يتم الجلوس معه للتفاوض لوضع حل ينهي الحرب التي أشعلها .
تحركات كبيرة لدول الإقليم والمجتمع الدولي ؛ للترويج لحل سياسي ينهي الحرب في اليمن ، لا يقف وراءها زعم وضع حد للمأساة الإنسانية في اليمن ،  كل ما في الأمر أن المشهد اليمني أصبح ناضجا ، بما يناسب رؤية وأهداف الإقليم والمجتمع الدولي للحرب في اليمن ، البعيدة كل البعد عن مصالح اليمنيين في عودة السلام والاستقرار الحقيقيين والدائمين ، بعد كل هذه الفترة من تمزيق النسيج اليمني ، وتدمير البنى التحية وتعميق الانقسامات الداخلية ، وتشكيل منظومة من الصراعات المناطقية والطائفية والجهوية ، وجعل اليمن ساحة مفتوحة ؛ للتدخلات الخارجية ، كل ذلك كان يجري تحت سمع وبصر الإقليم والمجتمع الدولي  ، الذي أدار ظهره لليمن ، ولم يعر عندما كان يحدث كل ذلك الوضع الإنساني أي اهتمام .
 الحديث عن المرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية ، ومخرجات الحوار الوطني ، وقرارات مجلس الأمن لاسيما القرار رقم 2216 ، كمرجعيات لأي حل قادم ، أضحى محض هراء ، في ظل الوضع الراهن ،  إذ أن المليشيات الحوثية الانقلابية سترفض الاحتكام لها ؛  لأنها ترى أن الاستتاد لها كمرجعية للتفاوض ، يفقدها كثيرا من المكاسب ، ناهيك عن احتمالية رفض المجلس الانتقالي الجنوبي لها ، والذي لا يمكن للمجتمع  الدولي تجاهله ، ومن ثم سيبحث المجتمع الدولي عن توليفة جدبدة ، تجمع كل الأطراف ، من خلال قرار أممي جديد ، يصدر من مجلس الأمن الدولي ، تصيغه وترعاه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ، بالتشاور مع السعودية والإمارات ، سيكن هو المرجعية الجديدة ، قد يشير في جمل إنشائية للمرجعيات الثلاث ، والحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال اليمن ، لكن بقية بنوده ، فيها تفريغ لمضمون تلكم المرجعيات ، وصياغة حل يتماشى مع الأهداف والمصالح الجيواستراتجية للدول الكبرى .
الحل السياسي القادم للحرب سيخلي مسؤولية التحالف العربي من الملف اليمني ، وسينقل المسؤولية للأطراف اليمنية ، لكنه في نفس الوقت سيفتح الباب للتدخلات الغير مباشرة في المشهد اليمني ، لكثير من دول الإقليم والدول الكبرى ، عبر تمويل الأطراف اليمنية في أي صراعات قادمة ، يراد لها أن تنشب ضمن صراع الأجندة الإقليمية والدولية في اليمن ، التي باتت ساحة لتصفية صراعات وحسابات ، لا شأن لليمنيين بها غير أنهم أدواتها .
 إن أي حل سياسي  لإنهاء الحرب في اليمن ، لكي ينجح ، لابد من توفير مناخاته -  وهذا ما ليس متاح حتى اللحظة الراهنة  - المتمثلة بعودة  السلطات الشرعية للداخل اليمني ، وبسط سيطرتها على كامل أرجاء البلاد ، ونزع سلاح المليشيات ، بغير ذلك نجد أنا أمام مضاعفة لشروط استمرار نزيف الدم اليمني ، وتجديد إنتاجه دوريا ، بتوليفة طائفية مناطقية ، بما يتوافق مع مطامع القوى الخارجية في اليمن ، التي تقع على طرفي نقيض من مصالح الشعب اليمني .