صالح البيضاني يكتب:

ما لا يقال عن تهريب الأسلحة إلى اليمن

في مشهد مألوف، أعلن الأسطول الخامس الأميركي قبل أيام عن ضبط قارب محمل بالأسلحة في بحر العرب كان في طريقه للحوثيين. صادر الأميركيون شحنة الأسلحة ونشروا صورها وقالوا إنهم أطلقوا سراح القارب وطاقمه بعد تزويدهم بالماء والغذاء، في موقف أثار استغراب الكثير من اليمنيين واستهجانهم، وهم الذين تساءلوا عن فحوى الرسالة التي أرادت واشنطن إرسالها لطهران في هذا التوقيت.

يخوض الأميركيون حوارا مع النظام الإيراني في فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي ويعملون في ذات الوقت على دعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لوقف إطلاق النار وتنشيط المسار السياسي في الأزمة اليمنية، لكن جهودهم اصطدمت بشكل لم يكن متوقعا بالنسبة إلى سقف آمالهم بالتعنت الحوثي الذي كشف عن ارتهان قرار الجماعة المسلحة بأجندة إيران بشكل كامل.

واعتبر المتابعون للتحركات الأميركية في المنطقة أن كشف واشنطن عن ضبط شحنة جديدة من السلاح الإيراني الذي كان في طريقه إلى الحوثيين، هو رأس عصا غليظة باتت الإدارة الأميركية تلوّح بها للضغط على الحوثيين ومن خلفهم إيران، بالتوازي مع تهديدات باستخدام سلاح العقوبات ووضع الملف اليمني برمّته على طاولة مجلس الأمن الدولي لفرض خطة المبعوث الأممي إلى اليمن “الإعلان المشترك” عبر قرار أممي ملزم تحت الفصل السابع.

وبالنظر إلى عامل التوقيت والأجواء السياسية المحيطة بالتحركات الأميركية، وطريقة تعامل الأميركيين مع القارب الأخير الذي ضبطت شحنة الأسلحة المهربة على متنه، لا يبدو أن واشنطن تتعامل بجدية كافية لوقف وصول الأسلحة إلى الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، بقدر ما ترغب في استخدام هذا الملف كورقة ضغط إضافية بعد أن استنفدت كل أدواتها الدبلوماسية والسياسية في انتزاع أيّ موقف إيجابي من الحوثيين الذين لم يجف بعد قرار شطبهم من قائمة المنظمات الإرهابية الذي استهل به الرئيس الأميركي جو بادين وإدارته سياستهم الخارجية تجاه اليمن والشرق الأوسط.

وخلال السنوات الماضية كانت القوات الأميركية التي تجوب بحر العرب تعلن بين الفينة والأخرى عن اعتراض شحنات من الأسلحة النوعية القادمة من الموانئ الإيرانية في طريقها إلى الحوثيين، لكن غالبا ما كانت هذه العمليات مرتبطة إلى حد كبير بالأجواء السياسية وبمزاج القابعين في البيت الأبيض وليس برغبتهم في تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي ينص على حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية للحوثيين، ويطالب بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن في حال ورود اشتباه بوجود أسلحة فيها.

طريقة تعاطي المجتمع الدولي، وخصوصا الدول الكبرى الفاعلة في الملف اليمني، تُثير الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب فيما يتعلق بموقف هذه الدول من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين

وتثير طريقة تعاطي المجتمع الدولي وخصوصا الدول الكبرى الفاعلة في الملف اليمني، الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب فيما يتعلق بموقف هذه الدول من عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين والتي لم تتوقف منذ إعلان السلطات اليمنية في العام 2013 عن ضبط سفينة جيهان 1 المحملة بالأسلحة الإيرانية والتي كانت في طريقها إلى الحوثيين قبل الانقلاب، وخصوصا أن خط سير عمليات التهريب المنظمة للأسلحة بات معروفا إلى حد كبير بعد أن كشفت عن تفاصيله تحقيقات سابقة أجريت مع طواقم سفن تهريب مضبوطة أو عبر التقارير التي خلص إليها فريق الخبراء المشكل بقرار من مجلس الأمن والذي سلط الضوء على خطوط التهريب وطرقها ووسائلها وكثير من خفاياها وشبكاتها.

وحقيقة الأمر أن عمليات تهريب السلاح إلى اليمن ليست أمرا محاطا بالغموض والسرية كما يعتقد البعض، فقد نشأ خلال السنوات الماضية ما يشبه المجتمع الذي يعمل في هذا المجال، وهو يستقطب كل يوم المزيد من الصيادين وملاك القوارب الباحثين عن الربح الوفير والوجبات الساخنة التي تقدم لهم في أسوأ الحالات عند ضبطهم!

كما أن العمل ضمن شبكات تهريب السلاح لليمن بالنسبة إلى العاملين في البحر بات أقل مخاطرة وأكثر ربحا حتى من صيد السمك، فلم تتم محاسبة أيّ طاقم تم ضبط شحنات سلاح بحوزته، بما في ذلك القارب الأخير الذي ضبطته دورية تابعه للأسطول الخامس الأميركي قبل أن تطلق سراحه بعد تزويده بالطعام والماء.

ومن يقترب قليلا من تفاصيل هذا السوق الرائج الذي يمد الحوثيين بالطاقة لاستمرار الحرب، سيجد أكثر مما يحتاجه ضابط استخبارات غربي من تفاصيل حول شبكات التهريب الناشطة في هذا المجال والتي تضم يمنيين وبحارة وصيادين من جنسيات أخرى، لا عمل لهم منذ العام 2014 إلا الحرص على ديمومة تدفق الجسر البحري من القوارب الخشبية المحملة بالسلاح من الموانئ الإيرانية إلى بحر العرب ومن ثم إلى نقاط متفرقة على سواحل اليمن.

والطريف والمحزن في آن أنه مع كل إعلان عن ضبط شحنة أسلحة كانت قادمة في طريقها إلى الميليشيات الحوثية، يتحدث بعض الناشطين والإعلاميين على وسائل الإعلام عن كيف كانت ستغير هذه الأسلحة من موازين القوة العسكرية في حال وصلت إلى وجهتها، على الرغم من أن الحقائق والشواهد تؤكد بأن تلك الشحنة المضبوطة لم تكن إلا قطرة في بحر الشحنات التي لا يتوقف تدفقها على الشواطئ اليمنية، لينتهي بها المطاف في قبضة الحوثيين أو في أجساد اليمنيين.

أما الجانب الذي يفضل المجتمع الدولي ووسائل الإعلام وحتى الحكومة اليمنية والتحالف العربي تجاهله أو عدم الحديث عنه صراحة، فهو حقيقة مفادها أن إيران ليست المتورط الوحيد في عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين، وإن كانت تتولى القسم الأكبر من هذه العملية التي تقف خلفها دول أخرى إما بالدعم المالي أو اللوجيستي، لتحقيق أهداف سياسية تتمحور حول تحويل اليمن إلى جمرة ملتهبة في خاصرة الجزيرة العربية يمكن توظيفها لتحقيق غايات استراتيجية تتعلق بإعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي.