علي الصراف يكتب:

العنف والغطرسة وساعة الشؤم المجيد

الهمجية المطلقة التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين، وأعمال التدمير المنهجي للمنازل والأبراج السكنية في غزة، ليست في الواقع ردا على صواريخ حماس. إنها تجسيد للغطرسة. إنها تنمّر وحشي لمن يمتلك القوة ويحسب أنها تكفي لكي يفرض كل ما يريد، بما في ذلك سحق البشر والحرص على إذلالهم.

الفلسطينيون سجناء أصلا. محرومون من كل شيء. لا يملكون شبرا من الأرض التي تحت أقدامهم ولا يتمتعون بأي حقوق. العنصرية التوراتية لا تنظر إليهم، من الأساس، إلا على أنهم كائنات لا ترقى إلى مستوى البشر. غير اليهودي لا يوجد بشر. إنها بالضبط النظرة النازية نفسها للتفوق العرقي. وبفضلها جاز للرايخ الثالث أن يسحق الملايين، وبفضلها يجوز للرايخ الصهيوني الرابع أن يكرر الشيء نفسه ضد الملايين.

لا شيء جديدا في ذلك. عصابات مثل “شتيرن” و”هاغاناه” التي وقفت وراء قيام دولة إسرائيل استندت إلى تلك الوحشية لتفرض نفسها بالقوة. وظلت المجازر تترى. تاريخ الصراع مع إسرائيل هو تاريخ مجازر. وكلما توفرت فرصة لإسرائيل، أو أي ذريعة، فإنها تعمد إلى الرد عليها بمجزرة. لأنها تحقق الغرضين معا: الترهيب وإملاء إرادة القوة.

لا يهمّ ما تملكه إسرائيل من دعم خارجي يسمح لها بتغطية كل ما ترتكبه. فذلك مجرد نفاق، تعرف إسرائيل نفسها أنه نفاق يقصد تغطية العنصرية التاريخية التي عومل بها اليهود في كل مراحل التاريخ الأوروبي بعد سقوط الأندلس. وبالرغم من أنها تستفيد منه، إلا أنها لا تعول عليه. تعوّل على قدرتها الخاصة على السحق وأعمال الإبادة. وتشعر بأن الوقت يضيق. ولهذا السبب فإنها تدفع بكل ما تملك لكي تحقق المجزرة أغراضها، ويستكمل المشروع الاستيطاني ما بقي عالقا في القدس وغيرها.

نظام نازي كهذا، لا يمكن النظر إليه كأي نظام سياسي آخر. النازية لا تتيح لأحد إلا خيارين فقط: إما أن تملي إرادتها على الجميع بالعنف والغطرسة، وإما أن يتم سحقها في المقابل. لا توجد حلول وسط.

إسرائيل لا تملك حلولا. وهي لن تسمح بحلول. وبالرغم من كل ما تقوله الأعراف والقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، إلا أنها تضرب بها عرض الحائط، لأن التسوية ليست هي السبيل بالنسبة إليها. السحق هو السبيل.

ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الصواريخ؟

إسرائيل تلعب مع الفلسطينيين لعبة الدمار الشامل، الفردي أو الجماعي، حيال أبسط مظاهر التمرّد. وهذا ما يجعل صواريخ حماس مصدرا للأذى الذاتي. ولكن انتظر لحظة. المسألة لا تتعلق بالمعركة الراهنة. هذه ستمضي كما مضت حرب 2014. إنما المعركة المقبلة هي التي يفترض أن تكون الأخيرة.أحد أهم الاعتراضات عليها هو أنها أقل فاعلية مما يجب. لا تشكل تهديدا حقيقيا لكي يملي الرعب أو يحقق “توازنا” فيه. وفي المقابل، فإن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون باهظ للغاية.

إسرائيل يجب أن ترى الهزيمة ماثلة قبل أن تقتنع بحق الآخر في الوجود. هذه هي المعادلة الوحيدة التي تفرضها النازية على نفسها وعلى الآخرين.

هل كان يمكن للعالم أن يتعايش مع هتلر بغير هذا السبيل؟ هل كان يمكن للاتحاد السوفييتي أن يتوقف عند حدوده فقط، في رد الجيوش التي اقتحمت ثلث أراضيه؟ وهل كان يمكن لقوات الحلفاء أن تتوقف عند تحرير فرنسا أو بلجيكا؟

الجواب واضح. لأن مسالك العنف والغطرسة عندما تتأصل في النفس لا تترك سبيلا لحلول أخرى.

إسرائيل لن تقبل بالحلول التي تتطلبها قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا بحل الدولتين ولا التخلي عن بقاء الاحتلال في الشطر الشرقي من القدس، ولن تسمح للفلسطينيين بأن يشكلوا دولة على أراضي العام 1967. هذا لن يحصل.

لا توجد في إسرائيل رؤية سياسية أخرى. لا يوجد يسار في هذا الكيان. هتلر سحق اليسار الألماني بالعنف. والمشروع الصهيوني سحق يساره بفرض العنف كحل وحيد. هناك تياران رئيسيان في إسرائيل هما: يمين متطرف، ويمين أكثر تطرفا. وكلاهما يتسابق في ممارسة العنف ضد الفلسطينيين. والكل يؤمن بأنه لا سبيل لتقاسم القدس. لا أحد يستطيع أن يقول غير ذلك. ثقافة العنف والغطرسة حققت انتصارا لا رجعة فيه. الرايخ الرابع استكمل كل ما يحتاجه من مقومات للمضي قدما.

ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى المعركة المقبلة؟

إنه يعني، من الجانب الفلسطيني، الاستعداد لدمار شامل. قد يشمل استخدام أسلحة نووية ضد غزة. ولكنه يجب أن يعني في المقابل، استعدادا لدمار شامل على الضفة الأخرى.

صواريخ حماس البدائية الراهنة قد تكون مجرد أدوات تدريب. إلا أنها يجب أن تقوى لكي تصبح أداة ردع فعلية، وليس لتوجيه رسائل سياسية. توجيه الرسائل ينفع للصواريخ البدائية، التي تتحول إلى أداة للدمار الذاتي. ولكنه لا ينفع لتغيير الحقائق.

أي شيء أقل من تهديد شامل سيكون مُكلفا. وإسرائيل تتعمّد التهويل فيه، لكي تواجهه بالضرب الشديد. فإذا لم تكن قادرا على مواجهة النار بما يساويها؛ الدمار بدمار مماثل، فلا تلعب.

انس الحلول. لا توجد حلول. اقفل هذا الباب. إسرائيل لن تراك. والغطرسة لن تكفّ عن إذلالك والسعي إلى سحقك وإبقائك سجينا إلى الأبد. أوشفيتز الفلسطيني موجود في غزة. المحرقة قائمة فيه. والإسرائيليون، بمعظمهم، سعداء تماما بقتل الأطفال والنساء. هذا شيء لا يحرّك شعرة في عقب أحد. وإذا ظهر من يُمثّل هذا الدور، فلأنه يُمثّل. النازية لا تحقق أنصاف انتصارات. كما أنها لا تتقبل أنصاف الهزائم.

انس حل الدولتين أيضا. لا تذهب إلى أي مفاوضات. اترك الغطرسة لتفعل المزيد. هذا مفيد لكي يأتي الانفجار المقبل شاملا أكثر، ويكون الانهيار شاملا أيضا.

اجعل ذلك واضحا للجميع. الكل يجب أن يفهم أن المعركة المقبلة لن تكون مجرد جولة في سلسلة لا تنتهي من الجولات لتسجيل النقاط الصغيرة، أو المواقف الصغيرة. ثم لا تبعث برسائل سياسية عن طريق الصواريخ، على حساب أكداس جديدة من جثث الأطفال والنساء. هذا عبث. رسالتك الوحيدة هي إما الدمار الشامل أو الاستسلام الشامل. لا توجد حلول وسط. فإذا لم تكن مستعدا لمعركة فاصلة، فاستعد لها على الأقل، حتى تحين ساعة الشؤم المجيد.

إذا أردت أن تمارس عملا من أعمال العنف، فاجعله أداة تغيير شامل. أي شيء أقل، هو لعب أطفال. الرايخ الرابع حقق بعنفه التغيير الذي أراد. فرضه بالقوة على الأرض. وزاد عليه بالغطرسة. إسرائيل ليست بلدا. إنها معسكر حرب. وما تراه من حياة مدنية، هو مجرد ظاهرة شكلية. إنها إجازة مجنّدين.

والصواريخ وحدها لا تكفي. يجب أن تتوفر استعدادات لخوض المعركة بكل الأسلحة الأخرى. كلها دفعة واحدة. إذا توفر لديك مئة ألف صاروخ، أطلقها جميعا. لا تنتظر شيئا، ولا أحدا. اجعلها قولك الوحيد. واستعد للاقتحامات التي تليها بإطلاق نار لا يتوقف حتى تنضب القذائف، ومن بعدها السكاكين. لا تستطيع أن تمزح مع الرايخ الرابع. عندما تبدأ قتالا، فلا تتوقف في منتصف الطريق، حتى إذا حصلت على عروض تسوية. افعل ما فعله السوفييت والحلفاء، حتى تدخل عقر دار هتلر، لتراه منتحرا. هذا هو الحل الوحيد.

هم لن يترددوا في القتل الجماعي. سوف يقومون بنسف كل شيء، ويستخدمون كل ما لديهم من أسلحة. فلا تتردّد في فعل ما يفعلون.

الحروب كوارث دائما. إذا أردت خوضها، فخضها وكأنها يوم القيامة. لا توجد حلول أخرى.

كل الذين ماتوا في حروبنا مع إسرائيل كانوا يظنون أنها حرب يوم القيامة. ومن المعيب، بعد كل الذي عرفناه، أن تجرّب حربا أخرى أقل من ذلك.

لا تلعب مع إسرائيل قبل أن تستعد لدمار شامل، ولفرضه في آن واحد. هذا هو الحل. ولا تخض حربك بانفعالات عواطف. كل الذين حاربوا بانفعالاتهم هُزموا. الحرب أعقد من أن تُترك للغرائز. إنها حساب عاقل وقرار صارم واستعداد مكين، من أجل الفوز، لا من أجل تكديس الجثث.

يمكن قبول حقيقة أن القدرات ما تزال بدائية. يمكن قبول الحرب الراهنة على أنها تدريب. ولكن ليس من المعقول أن تواصل خوضها كتدريب.

الدرس الوحيد الذي يفترض أن تكون إسرائيل قد تلقّنته من هذه التجربة (حيث سقطت الحصانة، واتسعت قابلية التمرد) هو أن السلام، بكل ما يعنيه من تنازلات، بات ضروريا لبقائها نفسه. فإذا لم تدركه، فأقرأ على الباقين السلام، واعمل لساعة شؤم مجيد.