علي ثابت القضيبي يكتب:
إجرام السلطة وصمت الإقليم !
شخصياً أعيش حالة من الذهول المطلق ، وهي ممزوجة بِكَمٍ من المقت لا تَتّسع له كل جنبات الأرض على سِعتها ، وهذا من السلطة طبعاً ، وأثقُ أنّ كل جنوبي يُشاطرني ذلك ، لأنّ الفاشل ، أو الذي أعْيتهُ كلٌ الحِيل عن تقديم شيء ما ، أو الذي تكون ثَمّة قوىً أكبر منه وتعيقهُ عن العطاء ، وحديثي هنا عن الحاكم / السلطة ، هنا من الأشرف له أن ينسحب ويتوارى? ، لأنّ السلطة والحكم هي مسؤولية على شعبٍ أمام الله سبحانه وتعالى ، وهذا ليس بالشيء الهيّن ولاشكّ .
أنا هنا لا أُهًوّمُ في فضاءاتٍ مُوغلةٍ في المثالية ، ولا أَرومُ مُحاكاة دُولٍ تَعتّقت في إرثِ الديمقراطية والرقي ، أو أَتوخّى طوباوية رئيسنا ونائبه ، ولكنّ هاذان الأخيران أوغلاَ كثيراً في شريط العمر ، فهما يَخوضان في المستنقعات المُوحلة لِلثمانينات ، أي أنّ أقدامهما على حافة القبر ، وفي يقيني أنّ مَن حولهما وفي حاشيتهما ، وحتى من أبنائهما ، لا يلفتوا إنتباههما الى ذلك ، وأنّ عليهما مقابلة الباري الكريم بشيء يُحسّن كَفّتيهما بين يديه ، لكن لا ، بل هُم ينهبوا ويوغلوا في النّهب الشّره ، وعلى رقبتيهما ، حتى هم - الحكام - سادرين في غَيّهم ونهبهم ايضاً !
سيكونُ من الغرابة أنّ سَدَنة السلطة لا يدركون حال الشعب اليوم ، تحديداً في مناطقنا المُحرّرة ، ولا أعتقدُ أنّهم يتخيّلون كيف هي حياتهم ، أو ماذا يعني عندما يدخلُ الرجل بيته وأولاده يطحنهم الجوع والحر والظمأ أو ... أو ... ، في تقديري كلٌ هذا لا يخطرُ على بالهم مطلقاً ، فهم ما انفكوا يتقمّصون دور الحكّام فعلاً ، ويتأزّرون بالجاكيتّات الأنيقة من أرقى معارض باريس. ويتضمّخون بأرقى عطورها ، وايضاً يظهرون أمام الشّاشات ويطوحون بأيديهم خلال حديثهم ، ولابأس من أن يكسوا وجوههم بشيء من الجِديّة والصّرامة كالرؤساء الإيجابيين حقاً ! وهذا شيء مثيرٌ للقرف والتّقزز بأبشع صوره وأشكاله .
في كل بيتٍ وشارع وحارة ، وأمام محلات البقالة والخضار ، وفي المواصلات العامة ، وفي كل مكان ، يرفعَ الناس أكفهم الى السماء بالدعاء على هذه السلطة ، ولأنهُ من غير الأخلاقي واللائق تداول ذلك في الإعلام ، وإلا لنشرنا هنا ما يدعوا الناس به عليهم ، لكنّ البوهيمي الجَلف ، وصاحب القلب الميت ، وهو الذي لا تؤثّر فيه متاعب الناس ، من غير المُجدي الحديث معه ، وهذا من أكثر ما يشقٌ في النفس .
الشيء اللافت حقاً ، هو تعاطي أشقّائنا في الإقليم مع جلاوزة السلطة هنا ، بل هو مُثار للتّأويلاتِ والقراءات المُلتبسة ، كأن يُفتَرض بأنّهم راضون فعلاً عن هذا الوضع المُزري الذي يعصفُ بجنوبنا ، أو أنّ لهم صِلة فعلاً بما خطّطَ له العرّابون الدوليون لإنهاك رقعتنا الشّرق أوسطيّة ، أو أنّ هذا ربّما يدخلُ ضمن إرث ثأراتٍ من الجائز أنهُ تختزنها بعض دول الإقليم تجاه شعبنا الجنوبي تحديداً أو ... أو ... ! وإلا لماذا يخرسون ولا يحركون ساكناً إزاء كل الفضائع المرتكبة بحقّ جنوبنا من قبل السلطة ؟!
القراءات والتّأويلات تَتعدّد وتتشعّب ولاشكّ ، ولأنّ ما يجري في جنوبنا اليوم شيء يفوقُ التّصور ، وكلٌ هذا وكأنّه لا يعني الإقليم في شيء ! ونحنُ وقفنا ببسالة بمعيتهم ضدّ المشروع الإيراني في المنطقة ، بل وخلّصنا جغرافيتنا الجنوبية من شرور حضورهم فيها مُبكراً ، وضحّينا كثيراً ، فهل كل هذا لا يعني لأشقائنا في الإقليم شيئاً ؟! أو أنّه وراء الأكمّة ما وراءها ؟ في تقديري الشّخصي ( الأخير ) هو الواقعي كما يبدو لي ، أليس كذلك ؟!