محمد خلفان يكتب:

قمة.. تخدم كل الخليجيين

يجسد تاريخ لقاءات القمة بين قادة الخليج العربي خصوصية ممتدة منذ ما قبل تأسيس الكيان السياسي الذي يجمع الدول الست، مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومع مرور الوقت تتعمق أبعاد تلك الخصوصية التي يمكن تلخيصها في: أن أيّ قمة خليجية تجمع قادة دول المجلس من شأنها أن تعزز العمل الخليجي المشترك، ومن شأنها أيضا أن تصبّ نتائجها في خدمة مصلحة أبناء هذه الدول باعتبار أن هذا الهدف النهائي لقادتها، وبالتالي ليست هناك حاجة لانشغال البعض في زيادة تفسير أو "الشطح الإعلامي" لأبعاد أيّ لقاء خليجي.

ينطبق هذا الحديث على القمة السعودية - العمانية التي عقدت في بداية هذا الأسبوع في مدينة نيوم بالمملكة والتي جمعت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والسلطان هيثم بن طارق آل سعيد سلطان عمان الذي دشّن أول جولاته الخارجية بزيارة السعودية، وهو في ذلك محق. وعليه، الشخص المدرك لتفاصيل العلاقات الخليجية يجد في الزيارة وفي حفاوة الاستقبال حالة طبيعية حتى لو تفردت ببعض التفاصيل سواء في الاتفاقيات أو التعامل العفوي بين القادة.

ولأن المصالح هي أساس العلاقات الدولية، وفق ما استقرت عليه كل النظريات السياسية وأكدته التجارب واقتنعت به الدول الخليجية (بعد العديد من المرارات السياسية سواء مع بعض الأشقاء أو الأصدقاء)، فإنه بدأ يتناغم دورها في الحاجة نحو تعميق العمل الخليجي المشترك من أجل تقوية أداء المنظومة الخليجية التي تعتبر من أنجح الكيانات السياسية العربية الإقليمية.

وعلى الرغم من أن القمة الأخيرة واكبت زوبعة إعلامية فيما يخص اتفاقية أوبك+ بين دولة الإمارات والسعودية، إلا أن هذا لا يعني غياب ذلك التناغم الخليجي المحيّر للكثير من المراقبين، بل يصب في المصلحة الخليجية ويؤكد على مساعي قادته لتحسين المستوى المعيشي لمواطنيهم.

التغير في صياغة العلاقات الخليجية مع بعضها، كما نراه أمر يدعو إلى التفاؤل كونه يضع أسسا عملية في العلاقات الدولية لأن المصالح عامة، والمصالح الاقتصادية بشكل خاص، هي التي ترسخ العلاقات أما غير ذلك فهو مجرد عواطف تتغير بسهولة، بل تحفز على السير بعيداً في أيّ اختلاف في وجهتي النظر السياسية.

العمل الخليجي المشترك على مدى أربعة عقود لم يكن أداؤه على مستوى واحد؛ وهذا أمر طبيعي في العلاقات بين الدول ولا يعيب ذلك الدول الخليجية، فقد حفلت مواقفها بتباينات كثيرة وأحياناً كبيرة إلا أننا نستطيع التأكيد هنا على الالتزام الكامل والاتحاد في بعض المواقف في إطارين اثنين. الإطار الأول: أن أيّ محاولة للمساس أو تهديد إحدى هذه الدول سيدفع الجميع للوقوف في مواجهته والدفاع عنه، ليس فقط في إطار المنظومة الخليجية، ولكن نتيجة للرابط العائلي والجغرافي للدول الست. قد تكون تجربة الغزو العراقي للكويت مثالا، وكذلك في حالة الربيع العربي وتداعياته السياسية والأمنية التي ما زالت حية تؤكد ذلك.

الإطار الثاني: هناك حالة من التماهي الشعبي في موقفه تجاه باقي قادة الخليج ودوله فكل أبناء المنطقة يرون في كل قائد خليجي قائدا وزعيما لهم، وكل دولة خليجية هي بلدهم، وقد تحولت مع مرور الزمن إلى الإحساس والشعور بالمواطنة الخليجية الكاملة. وقد تابع الكثيرون من خلال وسائل الإعلام تفاعل أبناء الخليج مع مناسبات واحتفالات اليوم الوطني. وحتى في الكوارث والأزمات يقفون إلى جانب بعضهم. فعندما تتعرض دولة خليجية، مثلا، لاستهداف تجدهم يتكاتفون من أجل الدفاع عنها.

إن كل حركة سياسية خليجية يخطوها القادة هي خطوة مهمة في بناء مستقبل أبناء هذه المنطقة المهمة في الاستراتيجية الدولية. وإن كان هناك من يجتهد ويفسر في غير هذا الاتجاه، إلا أن مواطني هذه المنطقة الممتدة من الكويت إلى جنوب عمان، يؤمنون بأن هذه اللقاءات تعني لهم بالدرجة الأولى تنويع الاقتصاد الخليجي وزيادة فرص الاستثمار البيني لإيجاد فرص العمل من أجل الدفاع عن الأمن الخليجي. وذلك لأن مفاهيم الأمن الوطني تغيرت كثيرا وأصبحت داخلية في المقام الأول.

الخليجيون، شعوبا ودولا، رابحون في أي لقاء قمة تجمع بين زعيمين أو أكثر، وهو بالنسبة إليهم لقاء يدعم العوائد السياسية والاقتصادية والإنسانية الخليجية.