فاروق يوسف يكتب:
مؤتمر إيراني في بغداد.. اسألوا الميليشيات
يمكن أن يكون المؤتمر الذي شهدته العاصمة العراقية مؤخرا قاعدة يقوم عليها تجمع دولي قد يُطلق اسم "نادي بغداد".
قيل إن أمورا استراتيجية حساسة قد تم التباحث حولها في المؤتمر الذي استمر لساعات من غير أن تتسرب أية أخبار عن تلك الأمور.
فإذا كان المؤتمر يتعلق بأمن المنطقة فلماذا عُقد في بغداد وهي واحدة من أكثر المدن في العالم افتقارا إلى الأمان؟
ربما من أجل أن تعبر دول بعينها عن تضامنها مع العراق في محنته الوجودية التي لا أمل في الخروج منها بطريقة ذاتية.
ولكنه مؤتمر الدول المتناقضة. تركيا ومصر. إيران والسعودية. قطر والامارات. كان من المفترض أن تتوصل تلك الدول إلى حد أدنى من الاتفاق فيما يتعلق بالشأن العراقي وطبيعة مواقفها منه ومن الاطراف القائمة على صناعته قبل أن يقضي رؤساؤها خمس ساعات في القاء كلمات لن توصف أي منها بالـ"تاريخية".
العراق في حقيقته هو رزمة محن وأزمات وكوارث. لغم يعرف الجميع أنه يمكن أن ينفجر في أية لحظة. الدول التي شاركت في المؤتمر ليست كل الاطراف المعنية بتداعيات ذلك الانفجار وهي ذاتها الاطراف التي تشارك بطرق مختلفة في تأجيله من غير أن تكون قادرة على تحديد سقف زمني لذلك التأجيل.
ذلك واقع حال يسعى العراق إلى القفز عليه وتجاوزه لاهيا عن مشكلاته ليعبر عن قلقه من الخلافات الثنائية القائمة بين دول المنطقة ويكون ماسك العصا التي يجب أن يتمسك بها الجميع من أجل أن يخرجوا من المأزق.
بدلا من أن تساهم الدول في حل مشكلات العراق فإن العراق هو الذي يتقدم بمبادرة لحل مشكلات المنطقة. سيُقال إن تلك المشكلات لو حُلت فإن مشكلات العراق ستُحل. تلك كذبة إيرانية يتبناها عراقيو الحكم. نظرية لا تنسجم مع ما يجري للعراق ولما ينطوي عليه مصيره من تحديات بقدر ما تعبر عن طموحات إيران في أن يكون هناك اجماع اقليمي ودولي على ضرورة وجودها في العراق.
كان واضحا في اللغة السياسية العراقية الاهتمام بالخلاف الإيراني السعودي كونه أساس العقدة العراقية. ذلك منطق لا يستوي مع حقيقة أن الهيمنة الإيرانية على العراق لا علاقة لها بذلك الخلاف. فإذا كانت إيران تملك مَن يمثلها من الميليشيات المسلحة في العراق فإن السعودية لا تفكر إلا في استعادة العراق إلى محيطه العربي. وهي مستعدة من أجل ذلك لتقديم كل أنواع الدعم من أجل قيام حكومة عراقية مستقلة في قرارها السياسي، حريصة على مبدأ السيادة الوطنية.
لم يُعقد المؤتمر إلا بعد موافقة الولايات المتحدة التي لم تُشارك فيه. ولكن كان الأولى بالدولة التي صنعت هذا العراق الملغوم ان يكون لها رأي في ما تشهده المنطقة من مشكلات قد يكون وضع العراق الملتبس مصدرها. غير أن امتناع الولايات المتحدة عن المشاركة له دلالات كثيرة. منها أن المؤتمر كان إيرانيا أو بأهداف إيرانية. وأيضا أن الدول المشاركة فيه لا تملك رؤية مشتركة لمصير العراق الذي وإن بدت مهتمة به فإنها لا تعرف كيف تصل إلى مفاتيحه ما دامت إيران حاضرة باعتبارها صديقا فيما هي في حقيقتها العدو الذي يجب التخلص منه.
رؤساء الدول والوفود الذين حضروا يعرفون جيدا أن إيران أوفدت وزير خارجيتها لكي يراقب ما يجري. وليس صحيحا ما يُقال إن هناك خطأ بروتوكوليا وقع في المراسم وأدى إلى أن يقف ذلك الوزير في الصف الأول مع زعماء الدول في الصورة التذكارية.
كانت تلك الصورة توثيقا للحظة تاريخية يتم الاعتراف من خلالها بأن وزير خارجية الاحتلال هو في مستوى زعماء الدول. وهو ما حدث فعلا. حصدت إيران على ذلك الاعتراف الشكلي غير أن ما حققته من خلال المؤتمر أكبر بكثير من ذلك الاعتراف.
منذ أن تم غزوه واحتلاله عام 2003 صار العراق بمثابة فخ للجميع. كان فخا أميركيا. أصبح فخا إيرانيا. ولكن تخيل أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تسعى إلى استمرار العراق في البقاء في غرفة العناية المركزة هو تصور ناقص.
إيران التي تحكم العراق من خلال أحزابها وميليشياتها تحظى بدعم دول أخرى. لا تجد تلك الدولة مصلحة لها في أن يتحرر العراق من الاحتلال الإيراني. وإذا ما أردنا معرفة حقيقة ما جرى فعلينا أن نسأل الميليشيات الإيرانية.