علي الصراف يكتب:

إيران والسعودية ولغة الفهم المفقودة

ليست جماعة الحوثي هي التي تطلق الصواريخ والمسيّرات ضد السعودية. إيران هي التي تفعل ذلك.

لا أحد يحتاج إلى أوهام. وليس من المفيد الافتراض أنه يمكن إقناع إيران بالتخلي عن أعمال العدوان ضد المملكة. ولئن كانت دول أخرى في المنطقة تشعر بأنها في مأمن من الضربات، فهذه أوهام أخرى، لا فائدة ترتجى منها.

الحوثي يضرب السعودية لأن إيران هي التي تأمره بذلك، ولأنها تريد أن تجعل الرياض تعيش تحت وطأة مشاعر الخوف من المزيد من الضربات، بينما ترسل وزير داخليتها ليتفاوض مع أحد ما يأتي من طهران إلى بغداد.

الحوار الإيراني مع السعودية هو حوار صواريخ. أما الحوار السعودي مع إيران فهو حوار قناعات بأن علاقات السلام أفضل لدول المنطقة ولإيران نفسها من هذا السلوك الهمجي.

عندما تُهزم إيران في اليمن، فإن انكسار المشروع يمكن أن يمتد، بوسائل القوة نفسها، إلى العراق وسوريا ولبنان

هناك، بهذا المعنى، لغتان لا توصل إحداهما إلى الأخرى. والآذان قد تسمع هذرا، إلا أنها لا تنصت لمعناه.

الحقيقة المُرّة التي لا تزال تحتاج إلى فهم، هي أن إيران لن تسلك سلوكا معتدلا مع دول المنطقة. ليس لأنها لا تريد ذلك فحسب، بل لأنها لا تقدر عليه من الأساس.

إيران دولة مشروع. وهذا المشروع يفرض قواعده ومعاييره ونمط علاقاته في محيطه الإقليمي. وهي ما يشمل عصابات وميليشيات وأعمال تخريب وفساد وقتل وتفجيرات وانعدام استقرار.

في المقابل، هناك لدى بعض دول المنطقة اعتقاد يقول بأنه يمكن سحب البساط من تحت أقدام هذا المشروع بوسائل ناعمة. من بينها الحوار، وتقديم عروض التعاون، والقبول بتسويات أمنية.

هذا الاعتقاد يفترض أن إيران الولي الفقيه غبية ولا تفهم المقصود النهائي من تلك الوسائل الناعمة.

أحد أبرز الوسائل الناعمة التي شغلت الشاغل، من دول الجوار وصولا إلى فرنسا، هو إبعاد العراق عن الخضوع لهيمنة إيران وميليشياتها. ويعزز مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء في هذا البلد، هذا المنحى لدوافع شخصية في أحسن الأحوال، أو لتدابير تأخذ الإفلاس المادي بنظر الاعتبار، حيث لا تستطيع إيران أن تواصل نهب بلد لم يعد يملك ما يكفي لتيسير شؤونه. أو بعبارة أوضح، أن تدعم إيران هذا الوهم، حتى يعود العراق لكي يتمكن من الحصول على تمويلات وقروض، قبل أن تعود لتنقض عليها من جديد.

الوهم الآخر، هو أن الانتخابات المزمعة الشهر المقبل، يمكن أن تغيّر الموازين. على الأقل هذا ما تعتقده الولايات المتحدة. وهي تشدد على مكافحة أعمال التزوير بناء على اعتقاد يقول إن إيران سوف ترخي قبضتها عن العراق إذا ما تراجع نفوذ أحزابها وميليشياتها.

ولكن “دولة المشروع” مستعدة إلى أن تشن حربا، وتقتل فيها الملايين، لكي لا تسمح لأي نتائج أن تؤدي إلى سحب البساط من تحت أقدامها.

والعراق هو جوهرة التاج، ليس لأنها تنهب منه نحو 15 مليار دولار سنويا مقابل تجارة الفساد، بل لأنها إذا خسرته خسرت كل امتداداتها الأخرى في المنطقة.

الكاظمي إذا اتضح أنه يلعب لعبته لتخفيف قبضة إيران، فإن قتله لن يكلف إيران شيئا. أي جرو من جرائها يمكن أن يطلق على رأسه النار. ولن تتوانى طهران عن المشي في جنازته والبكاء عليه.

أين موقع الحوثي من هذه الحال؟

لا يوجد في اليمن، من يناور على نفوذ إيران. الحوثي يقول جهارا نهارا إنه لا يريد أن يوقف الحرب، كما لا يريد أن يخوض في مفاوضات سلام.

ومثلما تحارب إيران في العراق من أجل بقاء هيمنتها عليه حتى آخر عراقي، فإن الحرب ضد السعودية لن تتوقف حتى آخر يمني.

مصائر الحصار والفقر والفشل التي تطحن مراكز نفوذ إيران الأخرى في سوريا ولبنان، تقول الشيء نفسه. لم يبق هناك ما يفترض للدولة أن تفعله كدولة تأخذ مصالح مجتمعها بنظر الاعتبار. الصورة واضحة تماما في لبنان. وهي واضحة أكثر في سوريا. فالدولة هي دولة العصابة، فحسب. لا شيء آخر. وذلك لأن المشروع الإيراني لا يسمح بأن يتصرّف الواقعون بين سندان العصابة المحلية ورحى العصابة في طهران أن يكونوا دولا ترعى مصالح شعوبها، فتقوى وتتمايز عن الحاجة إلى الارتباط بالمشروع الثوري الإيراني.

إيران الولي الفقيه لا تخادع نفسها. ولا يوجد مبرّر للاعتقاد بأنه يمكن استغباؤها. هذا الاعتقاد هو نفسه غبي.

فما الحل، إذن؟

مفهوم تماما كيف أن السعودية وحلفاءها لا يريدون حربا مع إيران. التكاليف ضخمة، والدمار سيكون هائلا. والحرب شأن يتعيّن ألا يتوقف إلا في طهران. وهذا كثير حتى على الولايات المتحدة نفسها.

الولي الفقيه يعرف ذلك. وهو يحارب السعودية براحة المطمئن إلى مصيره الخاص.

ولكن هذا حال لا يمكن أن يستمر.

لا يزال من الممكن كسر المشروع في اليمن. والحرب التي عجزنا عن وقفها بالدعوات إلى الحوار والسلام والتسويات السياسية، يمكن أن نوقفها بأن تكون الحرب أشد وطأة وثقلا على الحوثي مما كانت في أي وقت من الأوقات.

من أجل أي حرب يجري تخزين الصواريخ والطائرات، إن لم تكن هذه هي الحرب؟

الموقف الدولي الذي بدا وكأنه يعارض هذه الحرب، يستطيع أن يرى كيف تنهار مبادراته وجهود السلام الواحدة تلو الأخرى.

لا أحد يستطيع أن يوجه اللوم إلى السعودية وحلفائها لو أنها اختارت الطريق الذي تختاره إيران ضدها. اللغة يجب أن تكون لغة واحدة، لكي يمكن لمَنْ يسمع أن يفهم.

الحوثي يضرب السعودية لأن إيران هي التي تأمره بذلك، ولأنها تريد أن تجعل الرياض تعيش تحت وطأة مشاعر الخوف من المزيد من الضربات

عندما تُهزم إيران في اليمن، فإن انكسار المشروع يمكن أن يمتد، بوسائل القوة نفسها، إلى العراق وسوريا ولبنان، على الأقل حتى تدرك دولة العصابة التي تدور في فلك طهران، أنها يجب أن تتصرف حيال مصائر مجتمعها كدولة.

وعندما يذهب وزير الداخلية السعودي إلى بغداد لكي يتفاوض مع طهران، في المرة التالية، يجب أن يتعلّم كيف يتحدث بلغتها هي، لا بلغته هو.

هي ترسل صواريخ ومسيرات لتهاجم أرامكو، قبل اللقاء وبعده. وعليه أن يطلق ألف صاروخ وألف غارة جوية، وأن يزرع الأرض ذعرا في كل مكان يوجد فيه حوثي. فيكون الحوار بنّاءً وإيجابيا ومفهوما.

أي حوار آخر هو مضيعة للوقت وتغذية أوهام.