فاروق يوسف يكتب:
لا ديمقراطية ولا خبز. ماذا عن حشيش طالبان؟
ما الذي كانت تفعله الولايات المتحدة في افغانستان؟ كانت تحارب طالبان. ذلك جواب ناقص. ليس من المعقول أن تكون دولة بعظمة الولايات المتحدة متفرغة تماما للصدام مع قوات غير نظامية وتكون تلك المهمة هي عمل قواتها الوحيد في بلد غزته من أجل أن تنقذه من نظام ظلامي وتنشر فيه مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الشخصية.
اليوم بعد انسحاب القوات الأميركية واستيلاء طالبان على العاصمة طالبان يتم الاعلان عن أن شعب أفغانستان يمكن أن يتعرض للمجاعة في غضون أسابيع قليلة. سيكون واجبا على الأمم المتحدة أن تجمع أموالا من أجل أن لا يجوع الأفغان. ولكن هل كان الأفغان يجوعون قبل أن يحل الأميركان في بلادهم غزاة؟
بالتأكيد فعل الأميركان أشياء كثيرة من أجل أن يفقد الأفغان القدرة على إعالة أنفسهم. ولأن أفغانستان بلد زراعي لا يمكن أن يجوع فقد دمر الأميركان عبر عشرين سنة الزراعة من خلال تدمير أنظمة الري والتحكم بنوع المحصول الزراعي اما طالبان فقد شجعت زراعة الحشيش وهو بضاعتها ومصدر رزقها.
اما لماذا دمر الأميركان الزراعة فهو سؤال يرتبط بالآلية الوحشية التي يتبعونها من أجل وضع الشعوب على حافات اللامعنى أو العبث أو الصفر في البحث عن المصير.
تركت الولايات المتحدة في أفغانستان شعبا جائعا. ألا تشعر بالعار؟
كل معطيات الواقع تدين الغزاة. فبلد يعمل أكثر من أربعين بالمئة من سكانه في مجال الزراعة لا يمكن أن يتعرض لأزمة غذاء. وإذا ما عدنا إلى مرحلة ما قبل الغزو الأميركي فقد عاشت أفغانستان سنوات طويلة من الحروب الداخلية بدأت مع مقاومة الاحتلال الروسي وانتهت بحرب طالبان الخاطفة على الجميع مرورا بالحرب الاهلية التي أفقدت الافغان طعم الانتصار على دولة عظمى مثل الاتحاد السوفييتي.
في ظل تلك الحروب لم يُدق جرس المجاعة في أفغانستان.
فما الذي فعلته الولايات المتحدة لكي يستجدي الأفغان غذاءهم؟
لم يكن الأفغان قبل الغزو الأميركي شعبا فاسدا. فبرغم سنوات الفوضى التي عاشتها أفغانستان فإنها لم تشهد عمليات نهب أو سرقة أموال عامة أو الاستيلاء بالقوة على ممتلكات خاصة. دائما كان الأفغان ملتزمين بالتعاليم الدينية في ذلك المجال.
اما بعد الغزو الأميركي فقد حدث تحول أخلاقي خطير. لقد جلب الأميركان الفاسدين من الأفغان معهم وكان أولئك طليعة المبشرين بالديمقراطية كونها المفردة الذهبية التي تتصدر ثقافة الاحتلال التي تمهد كل مفرداتها لتفشي ظاهرة واحدة لا غير هي ظاهرة الفساد.
الفساد هو ما يتبقى من الاحتلال ولا يمكن أن يفنى بيسر.
وفي دولة يعمها الفساد ويتمدد داخل مفاصلها لا يمكن أن يكون العمل المنتج مصدر فخر. هذا إذا لم يؤد بصاحبه إلى الفقر المدقع. لذلك انهارت الزراعة في أفغانستان بعد أن دمر الفساد كل العمليات التي تسبقها والعمليات التي تليها فالزراعة ليست عملا معلقا في الهواء. صحيح أن المزارع يلعب الدور الرئيس في تلك السلسلة غير أنه يكون عاجزا عن القيام بذلك الدور من غير أنظمة ري ومواد وادوات زراعية وأسمدة ونقل وتسويق منتوجه الزراعي.
لقد عطل الأميركان كل شيء من أجل أن تترسخ ثقافة الديمقراطية. "الديمقراطية أولا" كان ذلك شعار الأميركان. لم يكن الخبز ليشغل حيزا في تفكيرهم. اما الأفغان المتواطئون معهم فإنهم وقد ركبوا في مركب الاحتلال كانوا يدركون أن وجودهم في البلاد مؤقت، لذلك حرصوا على أن لا يقلقوا أسيادهم بطرح مسألة يعرفون أنها شائكة.
كان معروفا بالنسبة لهم أن الأميركان لم يحتلوا بلادهم من أجل أن يبني الشعب دولته المستقرة وهم على يقين كامل من أن كل البرامج التي تم تنفيذها في مجال تطبيق الديمقراطية في الانتخابات وفسح المجال للحريات الشخصية بكل أنواعها وفتح الأبواب أمام اقتصاد السوق الذي تم اغراقه بالمنتجات الأجنبية التي يغلب عليها الجانب الكمالي لا يمكن أن تدوم وما هي سوى فقاعات ستنفجر أمام اتساع ظاهرة الفقر والعوز.
الآن وقد تخلى الأميركان عن أفغانستان فإنهم تركوه بلدا معاقا.
يقول الأوروبيون إنهم مضطرون للتعامل مع حركة طالبان من أجل انقاذ الشعب الأفغاني من المجاعة. ذلك كلام بوجهين. وجه إنساني ووجه سياسي مضلل والوجه الثاني هو الأهم بالنسبة لأوروبا التي لا تريد أن تفقد موطئ قدم لها في أفغانستان.
هناك اعتراف ضمني بان الخبز حل محل الديمقراطية ولكن لا أحد يتحدث عن حشيش طالبان.