صالح البيضاني يكتب:
حصاد سبع سنوات من الأخطاء في اليمن
لم تكن الانتكاسات العسكرية التي شهدتها محافظتا شبوة ومأرب خلال الأيام الماضية أمرا مفاجئا بقدر ما هي استكمال لمشهد سقوط المناطق المحررة الذي بدأ منذ العام 2019 وتسارعت وتيرته في 2020 و2021، حيث تفاقم هذا المسلسل المريع مع سقوط جبهتي نهم وصرواح وصولا إلى محافظة الجوف قبل أن تتساقط تباعا العديد من مديريات محافظة البيضاء الاستراتيجية والتي أكملت الميليشيات الحوثية السيطرة قبل أسابيع لتشرع في تضييق الخناق على مأرب عبر فتح جبهات جديدة، بالتوازي مع الهجوم المباغت على عدد من مديريات محافظة شبوة القريبة من حقول النفط والغاز مثل بيحان وعين وعسيلان وحتى مديرية حريب شرق مأرب.
وبينما قدم الحوثيون تفسيرا ساذجا لتبرير سيطرتهم المفاجئة دون أي مقاومة تذكر على تلك المناطق، مؤكدين أنه تمت السيطرة عليها من داخلها عبر عناصر موالية لهم، إلا أن الإجابة عن مشهد السقوط المريع لتلك المناطق وعودة المجموعات العسكرية الحوثية للتجول في شوارعها الترابية وترديد صرخة الموت تخفي خلفها الكثير من الأسباب والحقائق.
وبطبيعة الحال لا يمكن رفض التفسير الحوثي المجتزأ لخلفيات هذا المشهد بشكل كامل، فالخيانات هي بالتأكيد أحد أهم أسباب استعادة الحوثيين السيطرة على المناطق التي سبق تحريرها ومن ذلك منطقة بيحان الفاصلة بين محافظتي شبوة ومأرب الغنيتين، لكن عامل الخيانة يضاف إلى عوامل كثيرة أخرى تضافرت جنبا إلى جنب وتسببت في الانتكاسة التي نتابع فصولها منذ عامين على الأقل من دون أن يقدم أي طرف في الشرعية تفسيرا منطقيا لها، عدا تلك الشمّاعات المتعلقة بأجواء الصراع المحتدم داخل معسكر المناوئين للحوثي والذي يعد سببا إضافيا من أسباب تقدم الحوثي عسكريا وتراجع خصومه.
وفي سياق القراءة المتأنية لأسباب هذا التراجع المريع في مكاسب المعركة ضد المشروع الإيراني في اليمن، يمكن التأكيد على أن ما يحدث في المجمل هو حصيلة سبع سنوات من الأخطاء والإخفاقات العسكرية والسياسية والأمنية التي استطاع الحوثيون استثمارها جيدا وتوظيفها بعناية، فيما غابت لدى الطرف الآخر المتمثل في الشرعية المعترف بها دوليا أي رغبة للتوقف عند تلك الأخطاء ومعالجتها ومنع تكرارها وخصوصا أن السيناريو يعيد نفسه بشكل رتيب في كل مرة تسقط فيها منطقة محررة ويقضم الحوثي جزءا جديدا من جسد اليمن الرافض للمشروع الممول من إيران، والذي يقدم نموذجا مريعا للحكم والإدارة في المناطق الخاضعة لسلطته الثيوقراطية الرجعية القائمة على مبدأ وحيد في التعامل مع أنات المقهورين بالمزيد من العنف وإراقة الدماء والدموع.
وفي تأويل سبب العجز المحتمل لتصحيح مسار المعركة مع الميليشيات الحوثية باعتبارها خصما غير تقليدي وعدوا عقائديا شرسا لا يمكن الوثوق به أو التعاطي معه كخصم سياسي مألوف في اليمن، يبدو أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الرؤية الاستراتيجية التي يفترض أن تقرأ الصراع في سياق خلفياته الثقافية والتاريخية، إلى جانب غياب الحد الأدنى من إرادة وإدارة المعركة بالشكل الذي يليق بأهميتها بالنظر إلى أبعادها الإقليمية والدولية، التي تتناسب مع رؤية الحوثيين الحدية لها كنقطة تحول فارقة ليس في تاريخ اليمن المعاصر فحسب بل في المنطقة والعالم أجمع، الذي يبدو أنه بات أكثر انهزامية أمام النماذج الأيديولوجية المتطرفة في مشهد يعيدنا إلى أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية عندما انحنى العالم أمام موجة المد القومي الفاشي.
وفي الوقت الذي تدير فيه الشرعية اليمنية ملف الصراع مع الحوثيين كملف تقليدي تتخلله فترات استرخاء طويلة ويمكن الاتكاء فيه على الشرعية الممنوحة من المجتمع الدولي، لا تغيب عن الحوثيين تماما جزئية النفاذ إلى عمق طريقة التفكير التي يتعاطى معها العالم الحديث بانتهازيته المعهودة والتي تنحني في نهاية المطاف لسياسة الأمر الواقع ومنطق القوة، كما حدث في أفغانستان مؤخرا وكما يحدث مع إيران وأذرعها المسلحة في المنطقة.
وقد مثل مشهد إعدام تسعة من اليمنيين في الأيام الماضية بتهمة المشاركة في مقتل القيادي الحوثي صالح الصماد مؤشرا على بداية مرحلة جديدة في مسيرة الجماعة الحوثية وفي محطات الحرب اليمنية عموما، حيث يمكن من خلال قراءة هذا المشهد الدامي التنبؤ بمستقبل اليمن في نسخته الحوثية.