د. صلاح الصافي يكتب لـ(اليوم الثامن):

مؤتمر اربيل (بالون اختبار)

التطبيع لم يقتصر على التطبيع الرسمي إنما يشمل كل اتفاق رسمي أو غير رسمي أو تبادل تجاري أو ثقافي أو تعاون اقتصادي مع اسرائيل رسمياً أو غير رسمي.

اذاً ما يقصد بالتطبيع هو سلام دائم وليس هدنة مؤقته، لأن التطبيع صلح دائم مع عدو ما زال محتلاً لأراضٍ عربية ومقدسات إسلامية.

نعم هناك كثير من الدول العربية طبًعت علاقاتها مع اسرائيل وآخرها دول الخليج العربي التي حاولت أن تضفي صورة على أن التطبيع رسمي وشعبي من خلال انطلاق كثير من الفعاليات الشعبية المرحبة بهذا التطبيع، لكن العراق له خصوصية تختلف عن هذه الدول.

تصدر مؤتمر تطبيع العلاقات مع اسرائيل الذي عُقد في اربيل المشهد العراقي على كافة المستويات، حيث يُعد هذا المؤتمر الذي عُقد برعاية منظمة امريكية تطلق على نفسها (مركز اتصالات السلام) والذي يترأسها (جوزيف براودي) وهو امريكي مختص بالشرق الأوسط يجيد العربية والعبرية والفارسية، وكل سعيه بلورة جيل عربي يتقبل تطبيع العلاقة مع اسرائيل، وهو أول مؤتمر يُعقد في دولة عربية يُعاقب قانونها على ذلك.

وقد توالت ردود الأفعال الشعبية والسياسية والرسمية، حيث أعربت الحكومة عن رفضها القاطع لهذا المؤتمر الذي وصفته (مؤتمراً غير قانوني)، وأكد البيان الذي صدر عن المكتب الاعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي) أن طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستورياً وقانونياً وسياسياً في الدولة العراقية.

والعجيب تبرؤ حكومة كردستان من هذا المؤتمر، ولا نفهم هذا التبرؤ وهي الماسكة بزمام الأمور في الإقليم، وهل يمكن أن يعقد مثل هكذا مؤتمر بدون علمها، كما سارعت الرئاسة العراقية ممثلة برئيسها الكردي بقولها أن المؤتمر نُظم بدون علمها أو موافقتها، وقد أخذ القضاء العراقي دوره بعد ردود الأفعال العنيفة حيث اصدر عدة أوامر قبض بحق بعض من شارك في هذا المؤتمر.

والسؤال هل يُعد مؤتمر اربيل خطراً أم حدثاً عابراً؟، الحقيقة يعتبر هذا المؤتمر من الخطورة بمكان، لأنه تطبيع ثقافي وهذا ما تسعى إليه اسرائيل، حيث يتم استحداث مؤسسات وهيئات وجماعات وملتقيات تصب في مشروع التطبيع الكبير، وهذا يذكرنا ب (مؤسسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط)، التي تأسست عام 1991 والتي ضمت نخبة من الشخصيات الأمريكية والعربية والاسرائيلية والتي ترأسها الخبير في منطقة الشرق الأوسط (ماركس)، والذي كان من أهم أهدافها إعداد الشعب العربي لقبول السلام من خلال تزييف وعي الناس وإرادتهم لقبول عملية التطبيع.

ما هو المستخلص من هذا المؤتمر وردود الأفعال، نرى أن هذا المؤتمر هو بالون اختبار لمعرفة مدى تقبل الشعب العراقي لمشروع التطبيع، ويقيناً أن هناك أيدي اسرائيلية وراء هذا المؤتمر، لكن رد الفعل الشعبي كان صادماً لهم، لأن العراق غير مصر والأردن وغيرها من الدول العربية الأخرى، وإن التطبيع لا يمكن أن يمر بالعراق لأن شعيه تربى على أن اسرائيل غاصبة، وكنت أشاهد الفرحة الغامرة بعيون الناس عندما كانت تسقط صواريخ حماس على الكيان الصهيوني، وعليه فإن مؤتمر اربيل بالون اختبار كانت اسرائيل تأمل بنتائج ايجابية لكنها وصلت إلى قناعة صادمة وعليها أن تؤجل مثل هكذا مشاريع إلى وقت بعيد.