علي الصراف يكتب:
السعودية وإيران وشراء الوقت
الحوار بين السعودية وإيران إيجابي، وغير مفيد. إيجابي لأنه قد يمنح الرياض فرصة من الوقت، وغير مفيد لأنه لن يفضي إلى نتيجة.
إيران تريد من الحوار أن تحصل على اعتراف سعودي بدورها الإقليمي. وهذا يعني أن تكون طهران صاحبة اليد الطولى في قضايا الأمن في المنطقة. وأن تكون شريكا معترفا به في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. فهذه هي إقطاعياتها التي لا تتنازل عنها. وهي لا تعرض على الرياض سوى كف اليد عنها، أو ما يشبه القول: لن نضرب منشآتكم النفطية مرة أخرى. ولكن كلما اتضح لنا أنكم تحاولون إضعاف دورنا أو تميلون إلى ردعنا بواسطة أطراف دولية ثالثة، فسوف نعود لنضربكم. وهذه المرة بقسوة أكبر مما فعلنا من قبل. ولن تستطيعوا أن تفعلوا أي شيء تجاهنا. ومثلما تحملتم الصفعة الأولى فسوف تتحملون الثانية والثالثة والرابعة. ولن ينفعكم حلفاؤكم الذين لن يتحملوا كلفة مواجهتنا.
هذا هو الخطاب الإيراني الحقيقي.
وتريد السعودية من الحوار شيئا آخر يستند إلى القيم والمعايير المألوفة للعلاقات بين الدول، من قبيل إقامة علاقات حسن جوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن ممارسة التهديدات وغير ذلك من الكلام الذي يصلح كخطاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يسمعه المندوبون ويندبون حظ الوقت الذي ضاع في تكراره.
وواضح من ذلك أن الطرفين يتحدثان بلغتين مختلفتين وأن الحوار بينهما هو حوار طرشان.
إيران تتصرف وكأنها ذلك الأرعن الذي لا يهمه أي شيء. بينما تتصرف السعودية وكأنها ذلك الغني الذي يخاف على كل شيء، من كل شيء.
وهذا وضع لا يمكن أن يُفضي إلى أي نتيجة. ومثلما أن السعودية تحاول أن “تشتري الوقت” فإن إيران تفعل الشيء نفسه لترى، على سبيل المثال، ماذا يمكن أن يترتب عن محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي.
شراء الوقت عمل معقول. ولكن من أجل ماذا؟ هذا هو السؤال. فإذا كان الوقت سلعة تُشترى من أجل نفسها، فالوقت ينفد، لنعود إلى الوضع الكريه ذاته.
إيران لا تشتري الوقت إلا من أجل أن تبني عليه. فهي تؤسس لنفسها وضعا وتريد أن تجعله مقبولا وراسخا. ولن تتنازل عن هيمنتها في أي مكان وضعت أقدامها فيه. وهذا ما لا تفعله السعودية حتى الآن على الأقل.
السعودية تريد من الحوار شيئا آخر يستند إلى القيم والمعايير المألوفة للعلاقات بين الدول، من قبيل إقامة علاقات حسن جوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن ممارسة التهديدات
أربع جولات من الحوار جرت حتى الآن، بينما صواريخ الحوثي وطائراته المسيرة ظلت تتقاطر لتضرب مراكز شتى في السعودية. وكانت تلك الصواريخ والطائرات بمثابة رسائل تضعها طهران على طاولة الحوار.
كان من الصحيح والأنسب أن ترد السعودية بسلسلة لا تنتهي من الصواريخ والطائرات ضد الحوثي تجعل ليلهم ونهارهم جحيما، فتكون تلك هي رسائلها على طاولة الحوار.
لا يحسن بالمرء أن يشك بأن هذه هي الرغبة الحقيقية في الرياض. ولكنها رغبة مكبلة، وإيران ترى ذلك.
حسابات واعتبارات شتى تجعل المملكة بحاجة إلى أخذ العواقب بنظر الاعتبار. والتدهور في تلك العواقب هو نفسه يجعل تكبيل الإرادة محنة حقيقية.
وهناك خياران يجدر أخذهما بالاعتبار حيال هذا الوضع.
الأول، الكف عن الحوار. لأن إيران هي التي تستفيد منه كمضيعة للوقت. وحيث أن مطالب السعودية لا تتعدى معايير العلاقات المألوفة بين الدول، فإنه يكفي أن تقول لإيران إن الحوار لا يبدأ إلا عندما تقر إيران علنا بأنها تحترم تلك المعايير وتلتزم بها في العلاقة مع السعودية وكل دول المنطقة الأخرى. وأن تتوقف عن كل أعمال العدوان ضدها.
على الأقل يجب أن يكون ذلك هو “عربون” الحوار من قبل أن يبدأ.
والثاني، أن تبني السعودية قوتها الخاصة التي لا تراهن فيها على الآخرين، وأن تُظهر الاستعداد لاستخدامها، وتجعل إيران تفهم أنها ليست قوة التهديد الوحيدة.
أن تعود من جولة حوار إلى أخرى وأنت تحت القصف، فذلك يعني قبولا ضمنيا بالبقاء تحت التهديد.
ما كان ينبغي لجولات الحوار أن تتواصل بينما الحوثي يرسل صواريخه المُصنّعة في إيران إلى السعودية. لأن في ذلك من إشارات الضعف ما يكفي للقبول بالمزيد.
السعودية صمتت على الأضرار من جراء ضرب منشآتها النفطية. تحملت التكاليف ولم تطالب الأمم المتحدة لا بتعويضات ولا بضمانات تحول دون تكرار ذلك العمل.
وهذا وحده إغراء لإيران لكي تفعل المزيد.
إيران ليست ممن يجدر التحاور معه على أي شيء في الواقع. ليس لأنها تتحدث بلغة مختلفة، بل لأن طبائع العدوان فيها لن تتغير. إنها منهج. وهي لن تتخلى عنه حتى تنقلب السماء على الأرض
لماذا تقبل المملكة الدخول في حوار من هذا الموقع؟ الامتناع عنه أفضل. ولماذا لا ترد على الصاروخ الحوثي بعشرة؟
في النهاية، فإذا كانت غاية الحوار هي شراء الوقت، فالوقت يُشترى لأجل هدف. أما إذا كانت غايته التوصل إلى “توافقات” فهذه مستحيلة. وهي لا تعدو كونها خداعا للنفس.
إيران تعرف ما تريد. بالحوار أم بالصواريخ، فإن ما تريده هو نفسه، وتسعى لفرضه بالتراضي أو بالقوة.
عندما يمكن نسخ الجملة السابقة لتكون "السعودية تعرف ما تريد. بالحوار أم بالصواريخ، فإن ما تريده هو نفسه، وتسعى لفرضه بالتراضي أو بالقوة"، فإننا سنكون في حال مختلف. والحوار نفسه سيكون مجديا.
إذا جاز لشراء الوقت أن يذهب في هذا الاتجاه، فإنه وقت من ذهب. ولكنه من رماد إذا ظلت إيران تكسبه لتواصل إرسال الصواريخ.
ليس من اللائق بمكانة السعودية أن تكون في هذا الموضع. وإيران ليست ممن يجدر التحاور معه على أي شيء في الواقع. ليس لأنها تتحدث بلغة مختلفة، بل لأن طبائع العدوان فيها لن تتغير. إنها منهج. وهي لن تتخلى عنه حتى تنقلب السماء على الأرض.
وانقلاب السماء على الأرض أمر ممكن. وسبق له أن حصل. ومن أجل ذلك فقط، يصح شراء الوقت.
يقول الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي إن جولات الحوار "ما تزال استكشافية". وهذا تعبير دقيق للغاية. وهو قد يعني أن السعودية تريد أن تستكشف ما يمكن لإيران أن تستكشفه من نفسها. أي أن ترى إيران بينها وبين نفسها ما إذا كانت تريد أن تقيم علاقات "حُسن جوار".
النتيجة الوحيدة التي رأيناها حتى الآن، هي أن إيران تريد أن تقيم علاقات "حسن صواريخ"؛ "حسن تهديدات متواصلة".
أفهل جاء الوقت لتستكشف السعودية من نفسها ما يمكنها أن تفعله؟ أفهل جاء الوقت لتشتري الوقت لأجله؟