لن تقوم دولة الأكراد إلا بعد انهيار العراق
حين عُيّن جلال الطالباني رئيسا للعراق (2005- 2014) لم يخف الرجل انحيازه إلى كرديته، بل لم يخف رغبته في انفصال كردستان وقيام الدولة الكردية حين اعتبر كركوك قدس أقداس الأكراد. وهو تعبيره الشهير. لم يتحل الرجل بالروح الشمولية الواسعة التي تجعل منه رئيسا لكل العراقيين، غير أن أحدا من سياسيي العراق العرب لم يعترض على ما ورد على لسان الرئيس من جهة تناقضه الفاضح مع منصبه.
عشرة أعوام قضاها ساكن القصر الجمهوري من غير أن يؤمن بعراقيته. كان كرديا انفصاليا ولم يكن الحفاظ على وحدة العراق الذي يُفترض أنه أقسم عليه يوم تسلم منصبه ليعني له شيئا يُذكر. ربما كان مسعود البارزاني وهو رئيس كردستان الذي بقي بعيدا عن بغداد أكثر تشددا وصراحة من الطالباني، غير أن ذلك الفرق يتضاءل حين يتعلق الأمر بقيام دولة مستقلة شمال العراق، تكون نواة لكردستان الكبرى.
لا يرغب الأكراد في أن تكون هويتهم الكردية ملحقة بهويتهم العراقية.
وهو ما صار جزءا من الثقافة الشعبية الكردية عبر السنوات التي قضاها الأكراد بعيدا عن قبضة الحكومة العراقية وبالأخص بعد عام 1991. لقد نشأت أجيال كردية لا تتحدث العربية وهي أجيال لا ترى لها مستقبلا تحت فضاء يجمعها بالعرب في دولة واحدة اسمها العراق.
في حقيقتهم لم يخطط الأكراد لانهيار العراق دولة موحدة. جاءتهم تلك الفكرة هدية ممن يُفترض أنهم شركاؤهم في الحكم. أقصد سياسيي الشيعة الذين قدموا شيعيتهم على عراقيتهم فكانوا النسخة المرآتية للأكراد.
لقد انهار العراق الموحد من غير أن يكون الأكراد هم السبب. فبعد ما تعرضت له المدن العراقية ذات الغالبية السنية من كوارث حولت الجزء الأكبر من سكانها إلى نازحين، فإن التفكير بعراق موحد لم يعد واقعيا.
غير أن وحدة العراق لم تكن لتشكل مشكلة للأكراد في حال وافقت الولايات المتحدة على انفصالهم. وهو ما يبدو صعبا في هذه المرحلة. أجهدت القوة الأعظم في العالم نفسها في طرد داعش من العراق، لذلك فهي ليست مستعدة لتقديم نصرها مكافأة للأكراد. يبدو أن الأكراد أخطأوا التوقيت.
لن يكون مهمّا بالنسبة لزعماء الأكراد موقف إيران وتركيا من قيام دولة كردستان، غير أن الموقف الأميركي هو القاعدة. ربما راهن الأكراد على دور إسرائيلي لتليين الموقف الأميركي. ما يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة للأكراد أن أميركا التي أقامت دولة العراق الجديدة على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، ستجد حرجا في القبول بقيام دولة شيعية تابعة لإيران إذا ما استقل الأكراد بدولتهم. ليس من المنطقي أن يخسر الأميركيون سمعتهم إكراما للأكراد. وهو السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى تحذير الأكراد من إجراء الاستفتاء المعروفة نتائجه.
من المؤكد أن الأكراد سينصاعون للأوامر الأميركية في انتظار لحظة تشعر فيها الإدارة الأميركية باليأس من قدرة الزعماء الشيعة على إدارة عراق موحد. وقد لا يطول زمن انتظارهم كما أتوقع.
فمعجزة ظهور زعيم وطني من بين صفوف الطاقم السياسي الشيعي الحاكم في العراق لن تقع بالتأكيد. بل إن الأسوأ قد يحدث حين يعود الحشد الشعبي إلى حاضنته الشيعية فلا يجد له عملا سوى إشعال نار حرب أهلية ستكون هذه المرة شيعية- شيعية. وهو ما يتطلع إلى وقوعه الزعماء الأكراد بلهفة.
في مواجهة الاعتراض الأميركي سيركن الأكراد الاستفتاء جانبا، غير أن استقلالهم المتحقق سيظل ركيزة لقيام دولتهم ما أن يكون انهيار العراق قدرا لا مفر منه وهو ما سيعفي أميركا من المساءلة التاريخية.
كاتب عراقي