د. ابراهيم ابراش يكتب:
مصر التي نحترمها ونخاف عليها ونخاف منها
تحولت جمهورية مصر العربية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى ورشة بناء ليس فقط عمرانية بل ومجتمعية واقتصادية، فخلال سنوات قلائل خرجت مصر من عنق الزجاجة ومن حالة الفوضى المترتبة على فوضى ما يسمى الربيع العربي وسيطرة الإسلاموية السياسية إلى حالة من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والقضاء على بؤر العنف والإرهاب، واستعادت مكانتها ودورها الطبيعي عربيا وإقليميا وهو الدور الذي كانت تتبوأ تاريخيا.
لا شك أن تحديات كثيرة داخلية وإقليمية ما زالت تواجه مصر سواء تعلق الأمر بإنجاز استراتيجية حقوق الإنسان أو مواجهة الزيادة الكبيرة في عدد السكان ومتغيرات المناخ، واقليميا تداعيات بناء اثيوبيا لسد النهضة وعدم استقرار الأوضاع في ليبيا والسودان وتأثير ذلك على الأمن القومي المصري، والمواقف غير الودية لدول إقليمية مثل إسرائيل وتركيا وقطر وإيران، إلا أن قدرة مصر على مواجهة كل هذه التحديات مرتبط بالاستقرار السياسي وقوة مؤسسات الدولة وخصوصا المؤسسة العسكرية، وقوة وفعالية المجتمع المدني، وهناك انجازات كبيرة في هذا السياق.
من هنا يتأتى الخوف على مصر. إسرائيل لن تستريح لوجود دولة عربية قوية على حدودها حتى وإن كانت هذه الدولة ملتزمة معها باتفاقية سلام. القلق الصهيوني ليس أن تدخل مصر في حرب مع إسرائيل، بل مما حققته مصر من قدرة على مواجهة جماعات التطرف الديني ووأد الفتنة الطائفية والتحرر من الابتزاز المالي الخارجي ووضع أسس نهضة اقتصادية وعمرانية تعتمد على الذات وما سيشكله ذلك من قدوة لدول عربية اخرى، أيضاً القلق من مصر القوية القادرة على حماية حدودها وامنها القومي من أية تهديدات إسرائيلية مستقبلية لمصر أو للدول الصديقة.
أيضاً الولايات المتحدة ودول غربية أخرى غير مستريحة لمحاولة مصر استعادة دورها وحضورها الإقليمي، فواشنطن كان لها دور في نشر فوضى الربيع العربي ودعم جماعات الإسلام السياسي وموقفها الداعم لجماعة الإخوان المسلمين تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان والحريات العامة، وهو الموقف المستمر حتى اليوم مع إدارة بايدن التي تدل مؤشرات عديدة أنه سيجدد ويحيي سياسة "الفوضى الخلاقة" في المنطقة.
كما أن دولا إقليمية لها صراعات واحقاد تاريخية مع العرب وطامعة بخيرات المنطقة الترابية والبحرية غير مستريحة لاستعادة مصر قوتها وحضورها بما يمكنها من ردع أي تهديد لأمن مصر القومي وللأمن القومي العربي، وغير مستريحة وحذرة من استعادة مصر لمكانتها لأن مصر بذلك تستطيع استنهاض الحالة العربية برمتها وإحياء المشروع القومي الوحدوي العربي الذي كان المتضرر الأكبر من فوضى ما يسمى الربيع العربي.
نخاف على مصر لأننا نحب مصر ونقدر دورها القومي ونحترم تاريخها، ولأنه ضمن المشهد السياسي العربي والإقليمي الراهن لا توجد دولة غير مصر حريصة على فلسطين ويمكن المراهنة عليها لحماية الشعب الفلسطيني من محاولات تصفية قضيته الوطنية. نعم، هناك دول وشعوب عربية وإسلامية تساعد الشعب الفلسطيني وتؤيده في نضاله الوطني ولكن، لاعتبارات جيوسياسية وأخرى مرتبطة بالإمكانيات، لا يمكنها أن تحل محل مصر.
لعلاقة مصر بفلسطين خصوصية نابعة من اعتبارات تاريخية وقومية واستراتيجية ولأن الشعب المصري تربطه بفلسطين روابط روحية ونفسية وعاطفية والقيادة المصرية تعرف ذلك لأنها جزء من الشعب المصري.
أما الخوف من مصر فلأنها تملك كل الأوراق الفلسطينية سواء المتعلقة بالمصالحة أو الهدنة أو التسوية السياسية أو تحديد مستقبل قطاع غزة ومستقبل حكم حماس في غزة، ولأنها الدولة الأهم في المنطقة التي تتجه لها الأنظار وتراهن عليها إسرائيل وأميركا للضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحانه من تسويات كصفقة القرن والحل الاقتصادي أو كيان في غزة.
ما نخشاه هذه الأيام أن تتجاوز الهدنة، بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة بدون منظمة التجرير والسلطة، والتي ترعاها مصر مسألة وقف إطلاق نار وتبادل أسرى لتتحول لصفقة سياسية تتناغم مع معادلة "الاقتصاد مقابل الأمن" وتكرس الانقسام وترُسِّم حدود دويلة غزة.