علي الصراف يكتب:
إيران ودول الخليج.. خلاصات جديرة بالاعتبار
يمكن للخطوة الإماراتية تجاه إيران، وقبلها المحادثات الاستكشافية بين السعودية وإيران أن توفر دوافع للنظر في طبيعة الواقع السائد في المنطقة، أسبابه، مخاطره وسبل معالجة هذه المخاطر.
لا تغير هذه الدوافع شيئا في حقيقة أن دول الخليج تحتاج إلى أن تتبصر في خياراتها حيال نظام عدواني لا يتردد في ممارسة التهديدات، إلا أنه ضعيف ومعزول ويشعر بالخوف أيضا. ويحاول في مواجهة شعبه ومشكلاته أن يغطي شيئا بشيء، ليخلط الأوراق على مواطنيه، ولأنه لا يعرف أيّا من أزماته التي يتعين عليه مواجهتها، أو كيف.
الإمارات إذا كانت تتحرك على أكثر من جبهة لإقامة جسور عابرة للركود والجمود، فلأن سياسة تصفير المشاكل يمكنها أن تخدم الجميع، وتنأى عن التشاكل، وتدفعهم إلى مواجهة ما يتعين عليهم مواجهته من التزامات تنموية محلية. وهذه الأخيرة يتعين أن تشكل حافزا للاستقرار الإقليمي.
فإذا كانت السياسات العدوانية الإيرانية هي التي تشكل تحديا بالنسبة إلى دول المنطقة، فثمة خلاصات يجدر أخذها بالاعتبار لتقدير الموقف تجاه هذه السياسات، ولبناء واقع إقليمي جديد يسعى لنقضها:
إيران ليست مشكلة إقليمية فقط. إنها مشكلة دولية بمعنيين اثنين على الأقل. الأول، هو أنها دولة إرهاب لا تتورع عن دعم وتغذية مجموعات إرهابية ليس في المنطقة وحدها، وإنما في كل أرجاء العالم. كما لا تتردد في ممارسة أعمال الإرهاب مباشرة، أي من دون أطراف تتولى التصرف بالوكالة. وهو ما أثبتته أعمال الاغتيالات ضد المعارضين في الخارج. والثاني، هو أن المشروع النووي الإيراني قضية تتعلق بالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة، وهي توازنات تلعب الولايات المتحدة دور الحارس الرئيسي لها لحماية إسرائيل بالدرجة الأولى، ولحماية دورها كقوة دولية أيضا.
دول المنطقة لا قِبل لها بمواجهة عسكرية مع إيران، وليس من مصلحتها أصلا خوض هذه المواجهة. صحيح أنها تملك قدرات عسكرية رادعة، إلا أنها سوف تظل بحاجة إلى دعم استراتيجي من حلفائها الدوليين. وهؤلاء الحلفاء لن يقدموا الدعم مجانا، حتى ولو كانت المعركة معركتهم هم أصلا.
الولايات المتحدة هي التي صنعت إيران كقوة قادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة عندما سمحت لها بالتمدد في العراق والسيطرة عليه
دول المنطقة لا تريد، وليس من مصلحتها، أن تكون حطب معركة الآخرين ولا أن تدفع ثمنها.
الخسائر الاقتصادية لأي مواجهة عسكرية سوف تكلف ما لا يقل عن تريليوني دولار حسب أكثر التقديرات تواضعا.
أي مواجهة مسلحة بين ضفتي الخليج سوف تقطع ما لا يقل عن 20 في المئة من إمدادات النفط العالمية إلى أمد غير معلوم. وهو ما يمكن أن يدفع أسعار النفط إلى نحو 150 دولارا للبرميل أو أكثر. وهو ما سوف يسحق بدوره كل فرص الانتعاش الاقتصادي العالمي الهزيل أصلا بعد نحو عامين من الركود بسبب جائحة كورونا.
الاضطرابات السياسية التي تلحق أي مواجهة عسكرية يمكن أن تدوم فترة أطول بكثير من دوام تلك المواجهة العسكرية.
لا توجد ضمانات بأن تؤدي أي مواجهة عسكرية، حتى ولو شاركت فيها الولايات المتحدة، إلى إسقاط النظام الإيراني، وهو ما يبقي الخطر قائما.
لا يمكن الثقة بالأميركيين ولا بغيرهم. فعندما تجد نفسك بحاجة إليهم، فإنهم يمكن أن يتخلوا عنك في أي لحظة. والشيء الأمثل هو ألا تضعهم بالحسبان أصلا. إذا أرادوا هم أن يحاربوا، فليتفضلوا. لديهم من الإمكانيات ما يكفي لخوض حرب ناجحة. ويمكن أن يخوضوها بأنفسهم، ولحسابهم هم.
إيران بلد منهك من الناحية الاقتصادية، بل إنها تعيش وسط حالة من الخراب العميق في بنيتها الأساسية. وباستثناء برنامجها الصاروخي الناجح والنووي المتقدم نسبيا، فإنها تكاد لا تملك شيئا جديرا بالاعتبار يتعدى إعادة تصنيع المواد الأولية. ولهذا السبب، فإنها سوف ترحب بأي استثمارات. ولكن لا تجب الثقة بسلطة الولي الفقيه. أي استثمارات خليجية في إيران يتعين أن تكون ضمن شراكات دولية، تتوفر لها ضمانات فوق ثنائية.
العراق هو الطرف الإقليمي الوحيد الذي يمكنه خوض الحرب مع إيران. والمسؤولون الإيرانيون يعملون منذ عقدين على تحطيمه لكي لا ينهض مجددا لما لا يقل عن خمسين عاما أخرى. الحدود الطويلة التي تبلغ نحو 1200 كيلومتر توفر قاعدة جغرافية لا تملكها أي دولة أخرى. كما أن هناك أسبابا نفسية وتاريخية توفر الحوافز التي لا تتوفر لأي شعب آخر في المنطقة.
إسرائيل لن تخوض مواجهة عسكرية مع إيران من دون الولايات المتحدة. القادة الإسرائيليون يوهمون شعبهم بأنهم قادرون على ضرب إيران لرفع المعنويات. لا أكثر من ذلك.
السؤال الرئيسي الذي لا تعرف الولايات المتحدة جوابه بعد، هو ماذا تريد من إيران إذا نشبت الحرب؟ هل تريد تدمير القدرات النووية لإيران أم إسقاط النظام؟ الهدف الواقعي هو إسقاط النظام لأنه الوحيد الذي يكفل إزالة كل المخاطر والتهديدات. ولكن هذه معركة لا يمكن خوضها من الجو فقط أو بالقصف الصاروخي. تحتاج الولايات المتحدة أن تدمر كل أنظمة ومراكز الإدارة والسيطرة والقوة العسكرية والاتصالات ومواقع الصواريخ والمنشآت النووية، وأن تدفع بما لا يقل عن مليون جندي. الرئيس الأميركي الذي يمكنه أن يفعل ذلك لم يولد بعد. أما الرئيس العراقي الذي كان يستطيع ذلك، فقد قُتل. سلمته الولايات المتحدة لعصابات إيران لكي تقتله.
كلفة حرب شاملة مع إيران سوف تكون باهظة على شعوب إيران نفسها.
دول المنطقة لا قِبل لها بمواجهة عسكرية مع إيران، وليس من مصلحتها أصلا خوض هذه المواجهة. صحيح أنها تملك قدرات عسكرية رادعة، إلا أنها سوف تظل بحاجة إلى دعم استراتيجي من حلفائها الدوليين
الحرب هي الحل الأمثل. ولكن ما لم تتقدم لها الولايات المتحدة بعزيمة نهائية، فليس من الصحيح ولا الواقعي أن يخوضها أي أحد.
الولايات المتحدة هي التي صنعت إيران كقوة قادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة عندما سمحت لها بالتمدد في العراق والسيطرة عليه. وعندما تفاوضت معها على مستقبله، وعندما موّلت، فعليا، ميليشياتها من تركة أموال النفط المحتجزة، وعندما شاركت هذه الميليشيات في ارتكاب الجرائم الوحشية ضد العراقيين. والولايات المتحدة هي التي يجب أن تدفع الثمن، لا دول المنطقة.
الولايات المتحدة هي التي تواطأت مع إيران لجعل مشروعها النووي خطرا. تعاملت مع إيران بثقة بتوقيع اتفاق العام 2015. والثقة تواطؤ.
الولايات المتحدة تستحق كل ما تتعرض له من إذلال من جانب إيران. لأنها صنعت وحشا ولم تعرف كيف تسيطر عليه.
يمكن شراء أسلحة من الولايات المتحدة، ولكن لا يمكن شراء ما تصنعه من مخاطر وما ترتكبه من أخطاء. ليس على ظهورنا نحن. يمكن القول للمسؤولين الأميركيين عندما تواطأتم مع إيران، لم تأخذوا رأينا. فلماذا يتعين أن نتورط بأزمة أنتم الذين صنعتموها؟
إيران وحش جريح، تركه يشفى برفع العقوبات، مشكلة. ومحاربته مشكلة. الحل البديل هو تركه يتعفن. يصنع قنبلة نووية أو لا يصنع، ليس مهما.
إذا كانت إيران الولي الفقيه خزيا وعارا على دول المنطقة، فالولايات المتحدة خزي وعار أشد وطأة وثقلا.
يمكن لدول الخليج أن تفعل ثلاثة أشياء: أن تبقى خارج السجال، وأن تبني قوة ردع مستقلة، وأن تكسب معركة الوقت.
شعب إيران أولى بأن يحل مشكلته مع نظامه بنفسه.
الخطوة التي تخطوها الإمارات تجاه إيران، ومثلها التي خطتها تجاه تركيا، عاقلة وحصيفة وتنم عن قراءة سليمة للواقع.
ـ ليس لدينا حلفاء دوليون جديرون بالثقة. حليفنا الوحيد هو ما نصنعه بأنفسنا ونحافظ عليه.
ـ كسر الجمود، وخروج الأزمات من عنق الزجاجة، يوفر فسحة أوسع من البدائل السياسية والاقتصادية.
ـ عندما تعرض بدائل الخير، فمن الأولى حتى بالعدواني والشرس، أن ينظر إليها بروح القبول.
ـ كل أزمات المنطقة، يمكن أن توضع على نار الحلول الهادئة.
ـ ثقافة التعاون والبحث عن مصالح مشتركة يمكنها أن تحل محل ثقافة التنازع لترسم صورة أخرى، ليس لعلاقات القوى الإقليمية مع بعضها فحسب، بل لمعالجة أزماتها الخاصة أيضا.
ـ هذه هي “اللعبة” الوحيدة التي يمكن للجميع أن يخرج منها رابحا، بينما الأخرى لا تقدم إلا المخاطر والخسائر.