علي الصراف يكتب:
السعودية بخير، شكرا لإيران
قدمت إيران، بحربها ضد السعودية خدمة لا تقدر بثمن لهذا البلد. سعت طهران بدعمها لجماعة الحوثي، لا أن تسيطر على بلد فقير لا يمكنه أن يحيا بمعزل عن محيطه الخليجي، فحسب، وإنما لتفرض تهديدا متواصلا ضد السعودية، و"حرب استنزاف" لا تنتهي أيضا.
بعد سبع سنوات من الحرب، ثبت أن المرء يجب أن يكون أميّا لكي يصدق بأن بإمكان إيران إدارة بلد مثل اليمن، وأنه يمكن أن "يستنزف" السعودية.
ما حصل هو العكس تماما. والفضل الرئيسي في ذلك يعود الى أمّية المسؤولين الإيرانيين أنفسهم. فلو أن الله أراد أن يخلق مزيجا من جهل خالص، وغباء نقي، فما كان ليجد أفضل منهم.
العميد ركن تركي المالكي، المتحدث باسم قوات التحالف العربي التي تقودها السعودية، كشف مؤخرا عن خلاصات صادمة. ولكنه لم يكشف عما كان لها من أثر.
جماعة الحوثي، بحسب المالكي، أطلقت ضد السعودية، على امتداد السنوات السبع الماضية، 430 صاروخا باليسيتا. كما أنها استخدمت 851 طائرة مسيرة. وأطلقت 100 زورق مفخخ في هجماتها على خطوط الملاحة، ونصبت 247 لغما بحريا.
هذه حرب شاملة طبعا. وهي لم تكن حرب الحوثي وحده وإنما حرب إيران وحزب الله في لبنان؛ حرب جمعت فيها طهران كل ما تملك من وسائل وأدوات التخريب والتهريب لكي تمضي قدما.
ولكن السعودية، تحولت في غضون هذه السنوات، من قوة عسكرية تعتمد في أمنها على الغير، الى قوة دفاعية مستقلة. وبينما مرت أضرار الحرب ضدها أسهل مما للريح أن تفعل بصخرة، فقد دفع الحوثي ثمنا يكاد لا يصدق من الخسائر البشرية والهزائم الميدانية، والعواقب الإنسانية. وليس أقلها إن هذه الجماعة لم تعد تسيطر على عدة محافظات شمالية، فضلا عن جنوب البلاد. والشرعية التي جرب الحوثي اختطافها، أصبحت كفة لا يمكن تجاهلها في الميزان السياسي المحلي والاقليمي والدولي.
اليمن لا يمكنه أن يكون حوثيا. كان الاعتقاد بغير ذلك هو أول القراءة الخاطئة. مجتمع قبلي في الشمال، ومجتمع أقرب الى مجتمع دولة في الجنوب، ما كان ليمكن أن يصبح اقطاعية حوثية، أو مشروعا طائفيا تابعا لإيران. الحقائق الاجتماعية والجغرافية المجردة لا يمكنها أن تستوعب ذلك، سواء دخلت السعودية على الخط أم لم تدخل. فتلك الحقائق محض شأن يمني داخلي.
لا أحد يمكنه الزعم أن الحرب ضد الحوثي، بمعناها الداخلي، جرت على أفضل وجه ممكن. ولكنها كان لا بد وأن تستقر عند ما كان يجب أن تستقر عليه.
الحوثي بالنسبة لمعظم اليمنيين قوة احتلال وغزو في نهاية المطاف. جماعة سكانية غير متناسبة مع المقاييس الاجتماعية والسياسية والتاريخية، غادرت مناطقها لتتحكم بمناطق أخرى، فكان من الطبيعي أن تُحارَب، وأن تسعى كل منطقة الى أن تسترد حقها في إدارة شؤونها بنفسها، إن لم يكن عن طريق دولة تمثل الجميع.
اقتصاديا، لا يسع اليمن أن يعيش بمعزل عن محيطه الخليجي، حتى وإن توفرت له موارد. فموارده لا تكفي واحتياجاته التنموية تكاد تشمل كل شيء، وإي مشروع في هذا الاتجاه كان سوف يتطلب تمويلات بمئات المليارات من الدولارات، وهي مما لا تملك إيران أن تقدمه من الأساس. وبحسب نموذج هيمنتها على العراق، فإيران لا تُعطي، وإنما تنهب.
أكثر من مليوني يمني يعيشون في السعودية وحدها، يقول ثقلهم العددي الكثير عما تعنيه الروابط بين اليمن ودول الخليج.
حقيقتان لم يكن المالكي بحاجة الى ذكرهما. الأولى، هي أن كل تلك المئات من الصواريخ والمسيرات والزوارق والألغام، التي وُجهت ضد السعودية، لم تحصد إلا الفشل. فأمن المملكة لم يتأثر، بينما دفع الحوثي الثمن مضاعفا، مما كان يمكن تحاشيه، لو أن هذه الجماعة اختارت سبيل السلام.
والثانية، هي أن المشروعَ الطائفي الإيراني، مشروعٌ للخراب الذاتي، حتى وإن كان، في ظاهره، مشروعاً لحربٍ غير مقدسة يشنها مسلمون ضد مسلمين آخرين.
لقد أصبحت السعودية، بفضل هذه الحرب، قوة عسكرية تملك 889 طائرة مقاتلة، من بينها 279 طائرة هجومية من أحدث طرازات الطائرات، فضلا عن 258 طائرة هيلوكوبتر. بينما لا تملك إيران سوى طائرات خردة. وسمحت حرب اليمن لتنمية جيل كامل من الطيارين الذين يملكون الخبرة لشن غارات وإصابة أهداف بأحدث الوسائل التقنية.
السعودية شرعت بعد عامين فقط من اندلاع الحرب، في بناء قوة صاروخية خاصة بها. ولن تمضي خمس سنوات أخرى، حتى تكشف السعودية عن قوة ردع صاروخية أرقى وأكثر فاعلية من كل صواريخ إيران البدائية. وإذا امتلكت قدرات التوجيه والرصد عبر الأقمار الصناعية، فلن يكون هناك شبر في إيران يمكنه أن يأمن قوة الردع السعودية.
وهناك تحت السلاح في السعودية الآن، أكثر من 500 ألف جندي، مدربين على أفضل المستويات. و1062 دبابة، و12500 مدرعة، و2500 وحدة مدفعية، و300 منصة صاروخية. وتبلغ الميزانية الدفاعية السنوية السعودية 48.5 مليار دولار بينما لا تزيد الميزانية الدفاعية الإيرانية عن 14 مليار دولار سنويا. وفي حين تملك السعودية احتياطات تبلغ قيمتها 496.4 مليار دولار فان احتياطات إيران لا تزيد عن 120 مليار دولار. وبينما لا تزيد قيمة صندوق الاستثمارات الإيرانية عن 80 مليار دولار، فان حجم صندوق السعودية الاستثماري يبلغ 450 مليار دولار. وتبلغ القيمة السوقية لأكبر شركاتها 2 تريليون دولار، الى جانب قيمة سوقية تبلغ 424 مليار دولار لشركاتها الأصغر. كل هذه قوة. ولقد أسهمت السنوات السبع الماضية في تطويرها وتسريعها على نحو لم يكن متوقعا ولا مُتخيلا في أي وقت من قبل. وصارت السعودية تنازع حتى أقرب حلفائها إليها، إذا تردد في أداء ما عليه، وأن تلّوح بالاستغناء عنه، وأن تقوم بتنمية علاقات مع بدائل.
430 صاروخ باليستي، و851 طائرة مسيرة، قد تعني حربا، ولكن هل بات سعودي واحد خارج منزله؟
السعودية بلد لا تستنزفه حرب جماعة جاهلة. ولا حرب ولي فقيه لا يُجيد الحساب. ولقد كان واحدا من أعظم فرص حسن الحظ، أن تنخرط السعودية في حرب اليمن. وحتى ولو أنها ظلت ترغب بالتوصل الى حل سياسي للأزمة هناك، فان مقاليد الأمور العسكرية، تقول إنه من الخير لهذه الحرب أن تستمر عشر سنوات أخرى. بئر قدرات هذا البلد لن تنضب. بل أنها كلما طالت الحرب أكثر، كلما ظلت تفيض مناعة واستقلالا. شكرا لإيران. شكرا للجهل والحمق والأمية.
من أين كنا سنحصل على قوة عسكرية كهذه، من دون تلك الحرب؟