المعلا دكة ذاكرة عبق لذيذ

حين تمر بي السيارة من شارع المعلا دكة دوناً عن كل شوارع ومناطق مدينة عدن التي تفوق كل وصوف الجمال ينتابني إحساس أعجز عن وصفه .. ولا أعلم إن كان هذا الإحساس ينتاب غيري ممن يعشقون هذه المدينة البسيطة في كل شيء والجبارة في كسب قلوب عشاقها ..
أشعر عند مروري بدكة المعلا وكأنني في تلك الفترة التي كانت فيها مزدهرة بالحركة والتجارة خصوصا وأنها منفذ مرور قاطرات البضائع الداخلة عبر ميناء عدن العريق ..
حيث تمتاز الدكة بإحتفاظها بروائح كل ما يمر فيها من بضائع وبشر منذ القدم وحتى اليوم .. وكأن تلك الروائح قد وجدت لها ملاذا بين صخور وطوب جدران مبانيها من البيوت الحجرية البسيطة والمطاعم ومخازن المؤن والبضائع .. وأختبأت فيه من غدر الزمان وعبث البشر ..

رواد دكة المعلا هم من العمال والبسطاء الذين يعملون في مهنة حمل البضائع على ظهورهم وبعض المخلصين الجمركيين وكذا التجار وطباخين وعمال المطاعم والمقاهي العدنية الشعبية ..
تلك الجميلة وشارعها ومبانيها التي تتميز ببلكوناتها الخشبية لطالما سحرتني بجمالها الفريد قد لاتجده في أي منطقة أو شارع آخر .. فهي رغم أنها تحوي حركة دؤوبة منذ بزوغ الفجر وحتى وقت متأخر من الليل إلا أنها تبدو هادئة رزينة تمشي بنظام هي التي رسمته لنفسها وهربت به من جنون الفوضى التي تعم كل مكان ..
هذا ليس إعجاباً ولاعشقاً هو سحراً مارسته علي هذه الجميلة العريقة المواكبة للحداثة .. وشريان الحياة النابض من مدخلها عند برت الكباش إلى بداية المارد الحارس لها الشارع الرئيسي ..
تنساب إلى حواسي روائح الزمن الذي ماعشته لكنني عشقته وتمنيته .. عبق أجمل من روائح الزهور .. روائح الخشب والفحم والتمر ودخان المطاعم الشعبية ..
ورائحة الشاهي العدني الذي يُسقى لروادها صباح مساء ..
وحتى لوحات محلاتها التي تحمل أسماء التجار من القدماء الذين كانوا يملكون محلات للتجارة في عدن من الهند وافغانستان وايران والهند وغيرها ..
وفي شارعها الخلفي هناك يقبع متدارياً عن الأنظار مصنع النيل للبهارات وهي التحويجة اللذيذة التي تضاف على طبخة الروائح العبقة كل ذلك ينعش كل ذرة حب بي تمتلكها هذه الحبيبة الخجولة والتي نادراً مايذكرها محبيها ..
وفي المساء حين يخيم الظلام تتميز بمصابيحها الحمراء وضوئها الخافت وكأنها سيدة جميلة تتأهب للنوم والراحة والهدوء الذي تنشده لكنها قل ماتحصل عليه ..
وأكثر ما يسعدني حين تسمح لي فرصة المرور عبرها أن السيارة تمشي على مهل وكأنها تمنحني المزيد من المتعة معها .. ومع روائحها وأصوات العمال والمارة ورواد مقاهيها ومطاعمها الشعبية القديمة ..
فلتبقي دكة معلانا ذاكرة عبق زمن جميل ماعشته لكنني عشقته وأغرمت فيك معه ..
سعاد علوي
29/8/2017